انحسار الإسلام السياسي بإرادة الشعوب

بدأت الشعوب تدرك تدريجيا مخاطر تصديق الجماعات المتحدثة باسم الإسلام والداعية إلى أمة فاضلة، فالمصائب التي تحدث يوميا باسم الإسلام كفيلة بتوضيح مخاطر التلاعب بالدين، ولم يكن تفجير امرأة نفسها ورضيعها ابن الثلاث سنوات يوم 1 افريل كذبة فريل. لم تكن تلك الحادثة الواقعة بالقصرين على حدود الجزائر بالكذبة بل حقيقة واقعة . فقد قال المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي لإذاعة موزاييك : « تمكنت قوات الحرس من قتل إرهابي في جبل سمامة. وفجرت امرأة آسيوية كانت معه نفسها لتقتل أيضا رضيعا كان بين يديها ». كان يمكن لتلك المراة أن تترك طفلها يعيش لو كان لها نبض من عقل، لكنها قررت أن تأخذه معها اعتقادا منها أن الموت أرحم لهما وأنهما ملاقيان ربهما. ذلك هو الإرهاب تلاعب بالعقول وخطر قائم ضد ابسط الحقوق :حق الحياة

قبل ذلك بأيام قليلة، يوم الأحد 28 مارس أعلنت حكومة السودان تخليها عن العمل بالشريعة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة والتمهيد لاتفاق مع حركة من حركات التمرد التي تطالب بعلمانية الدولة. وبينما يسعى السودان إلى بناء السلام عبر الاعتراف بتعدد دياناته وأعراقه ومحاولة تجاوز عقود الحكم الديني الذي سيطر فيه الإسلاميون بسيف من حديد على الشعب دون أن يحققوا للبلد السلام ولا التنمية بل المزيد من الفتن والاغتيالات والصراعات والدماء فان مصر احتفلت بحدث نقل المومياء الى المتحف الحضاري الجديد بالفسفاط بحفل بهيج يجسد اسطورة مصرية عريقة وهكذا فقد مثل اتفاق السودان وحفل المومياء المصرية رسالة واضحة للإخوان: ليس لأوهام الحكم الديني مكان ولا يمكن أن تكون مرجعياتكم قادرة على التعبير عن العصر فكفوا إذن عن أسلمة العالم والاوطان

في لبنان وفي العراق كذلك يرفع الشباب مطالب بعلمانية الدولة، تنحسر الموجة الإسلامية تحت ضغط التحولات العاصفة بالمنطقة فقد تمردت الشعوب ضد حكم الإسلاميين لتضع حدا لادعائهم الدائم أنهم يمثلون المعارضة وأنهم نتيجة للاستبداد السياسي وانهم دفعوا ثمن مطالبتهم بالديمقراطية. لكن في اول فرصة للحكم كشفوا سواء في السودان أو مصر أو تونس وفي غير هذه البلدان أنهم يتعطشون إلى الاستبداد، ويسارعون إلى الخراب لأنهم لاتاريخيون ولا ولاء لهم إلا للأوهام ولأجندات خارج الوطن. فكيف يمكن للنهضة التونسية أن تفسر للتونسيين اليوم فشلها في إقناعهم بمشروعيتها السياسية وليس في جرابها سوى فرض الأمر الواقع على التونسيين عبر تعاطف قواعد تنتخب النهضة لانها تربت على السمع والطاعة، فرغم السجون والمنافي بقي ذلك الرابط الذي يسمونه أخوة يجمع بينهم ويجبرهم على إخفاء شقاقاتهم ولملمة صدوعهم وإيجاد توازن

ولقد كشف موقفهم من المحكمة الدستورية والتناصف وخاصة موقف نسائهم أنهم لا يتغيرون، فهذه الجماعة التي تستخدم بكائيات الاستبداد لم تتمكن من تقديم حلول لمآزق البلاد ولم تستخدم الحكم لتحقق المأمول الذي ادعت انها تحمله وانها قادرة على تحقيقه ولكنها توظف السلطة لاسلمة الشعب والتغلغل في المؤسسات وتمكين الجماعة وتلويث عقول الأطفال والنساء ومحاربة التحديث. إن وجها من وجوه أزمة البلاد اليوم وجود حزب في السلطة تورط في الدم والتفجيرات في التسعينات وتورط في زرع فكر التطرف والإرهاب وتورط في خلق فضاء صراع أدى الى الاغتيالات ويرفض هذا الحزب أن يعتذر على جرائمه ويعتقد أن احتلال السلطة بالانتخابات يكفي ليستغل الديمقراطية للتغلغل في الأوصال والعقول ولكن رياح التغيير آتية لا من الحكام هذه المرة بل ها قد هبت إرادة الشعوب لتكنس الأوهام وأفكار الحكم الديني وتعيد الإخوان إلى حجمهم الحقيقي: أعداء للتحديث لا أعداء للاستبداد فما تلك سوى شماعة لتعليق فشلهم ولتلميع صورتهم لا غير..ولقد كشفت الأيام خباياهم

زينب التوجاني