ملفّات فساد للبيع …أدلّة رشوة للبيع

تهاطلت عليّ هذا الصباح وأنا في نوْمة الوقت الإضافي، أصوات لم أسمعها منذ عشرات السنين، إيقاعات لم ألتقط منها إلاّ بقاياها وأذيالها  » « … للبيع »، « … للبيع »، « … للبيع »، عاد بي الزمن إلى الوراء، وجالت بخاطري إيقاعات ذاك البائع المتجوّل، ذاك الذي يشتري كلّ شيء  » سراول للبيع « ،  » بطاطن للبيع « ، « ماعون للبيع »… تقلّبت على جنْبي الآخر أتجاهل هذه الأصوات الممتدّة في التاريخ، غير أنّها لا تنقطع
اِلتففْتُ وخرجت لأعلمه ألاّ شيء أبيعه، فإذا أنا أمام موكب من السيارات تتقدّمها سيّارة شرطة وتتلوها سيّارة تحمل لوحة كبرى مكتوبا عليها  » اللجنة الوطنيّة للقضاء على الفساد « ، وأخرى مدنيّة لا أدري جدواها، احترت في أمري وكدت أعلمهم بأنّهم أخطؤوا العنوان، فإذا صوت من اللجنة يلعلع  » ملفّات فساد للبيع، أدلّة رشوة للبيع، أوراق تبييض أموال للبيع، وثائق تهرّب ضريبي للبيع… »، وأنا في حيرة حتى تقدّم منّي شخص يبشّ في وجهي ويهنّئني بأنّ الدولة التونسيّة قضت على كلّ الفاسدين، حاكمتهم وسجنتهم
فركت عينيّ جيّدا وقرصت ذراعي حتّى الألم، وابتسمت، فإذا بالرجل يعلمني كذلك أنّ جميع الفاسدين قد حوكموا من برلمانيين ووزراء ورجال أعمال ومواطنين وغيرهم من الأحياء وحتّى الأموات، كلّهم حوكموا في إطار القانون، استبشرت وفرحت بــ »تونس الجميلة »، ما كدت أساله عن سبب وجودهم حتى أضاف:  » نحن في « التشليلة » الأخيرة، جولة في كل الأحياء لجمع كل الملفّات الفاسدة التي لم نعلم بها مقابل مكافأة ماليّة تشجيعا للمواطنين على مقاومة الفساد، التعليمات صارمة، كلّ شيء فاسد نحن له بالمرصاد، الإنسان والجماد، الحاطّ والطائر، الحي والميّت، الحيوان والنبات، لا بد من تطهير بلادنا
وهو يحدّثني رأيت جاري مختار يسلّم إلى اللجنة تلفازا قديما يعلمهم أنّه فاسد، ويتسلم مبلغا ماليا، وكذا رأيت خالتي مبروكة تحمل صحن مرق تعلم الجمع بأنّه فسَد بحرارة الطقس، وسي التيجاني يبلّغ عن ولده الفاسد لنسيانه حنفيّة الماء مفتوحة، ويعمّر جيبه بأوراق نقديّة
شكرت فضل الرجل الباشّ، وأخبرته بأنّي سعيد بما أرى غير أنّي لا أمتلك ملفات فساد، فقد سلّمتها منذ زمان إلى هيئة مختصّة، دخلت المنزل فرحا مسرورا غير أنّني تذكرت، واللجنة بهذا الحرص في القضاء على الفاسدين، أحد الملفات الخطيرة، خرجت أجري لألتحق باللجنة، توقّف الرجل الباشّ يسمعني، قلت،  » تذكّرت، منذ أربعين سنة تقريبا، كان بائع متجوّل في الحيّ، يبيع  » ثلاث أباري بابور بدورو »، توّا عندي شك أنها خمس، غشنا في اثنين

الدكتور توفيق العلوي