شِرْشْ : فيلم تونسيّ بذيء

لم يخفً على المتابعين توالي صدور الأفلام التونسيّة هذه الأيّام أذكر منها فيلم « الجايدة » و « شيطان القايلة » و غيرهما و لكنّ الشريط الذي حظي بالإطراء و بالعدد الأوفر من الجوائز هو فيلم « شرش » و قد مدحه صحافيو « كلام الناس » على « الحوار التونسي » مدحا شوّقني إلى مشاهدته و أحسست أنّي أفقد من ذاتي تسعة أعشارها لو لم أكمّل ثقافتي بمشاهدته. و لمّا حلّ ركب هذا الشريط بسوسة كنت من المسرعين بزوجتي إليه و الحمد لله أنّي لم آخذ أبنائي و أحفادي إليه
هذا الشريط يحمل في بطنه قصّتين مثلما تحمل البطن الواحدة توأمين: إحداهما قصّة عامل فرنسيّ ينغلق المصنع الذي يشتغل به لينغرس في تونس فيكون فيه من الشهامة و الصبر على مواجهة مصاعب الحياة ما يفتّق فيه مسالك الرزق لولا مطاردة القانون و صرامة الإدارة التّي أحبطت عزيمته و ضيّقت عليه أنفاسه تضييقا كاد يقضي عليه. و أمّا القصّة الثانية فهي لعامل تونسي مستفيد من غلق المصنع بفرنسا و انتصابه بتونس يتعلّم الصنعة بسرعة و يهجّ من العمل بسرعة بدعوى ضعف الخلاص و ضيق ذات اليد و خيبة الأمل في الترقية فيقرّر « الحرقان » إلى أوربا
لقد ساهم الفرنسيون في تمويل هذا الشريط واقتطعوا من الشريط قصّة العامل الفرنسي وهي قصّة مختلفة تمام الاختلاف عن قصّة التونسي و إن كان الموضوع واحدا وهو قضيّة التّشغيل و كان يمكن لهذه القصّة أن تستقلّ بفيلم لنفسها، و قد أخرج لنا الفيلم العامل الفرنسي بوجه مشرّف فيه صمود و مواجهة و تكاتف عائليّ وسيطرة على الموقف و فيه نقد للتراتيب الإداريّة و القانونيّة. و ساهم التونسيون في تمويل هذا الشريط فصوّروا قصّة عامل « كركار » « بزناس » متأفّف متطاول متعجّل يقرّر في لحظة غضب أن يهجر المصنع أوّلا و أن يهجر البلاد حارقا
غير أنّ فظاعة المشهد التونسي لا تقتصر على هذه الصورة الأخلاقيّة الشقيّة إذ أفظع منها منطق الحوار في الفيلم. كان التلفّظ بالبذاءة بين التونسيين، هو القاعدة على طول الشريط، طغى عليها فعل المضاجعة الذي استعارته منّا اللغة الفرنسيّة لأنّها لا تملك له مثيلا في فصاحته و بلاغته و طغى عليها أسماء الجنس الذكوري و الأنثويّ و ممّا زاد في قلقي أنّ بعض الحاضرين كان يضحك لمثل هذه البذاءة و كأنّ البذاءة لغتنا العاديّة و خبزنا اليوميّ، لولا أنّ زوجة كانت بجانبنا همست لزوجها قائلة: لقد توسّخت أذناي بما فيه الكفاية
هذا فيلم رديء لأنّه لا يأتي بجديد في مضمونه بل إنّ الأحداث اليوم قد تجاوزته. هذا فيلم رديء لأنّنا سمعنا فيه وسخ أذنينا. إنّها البذاءة المجانيّة التّي يجدر بنا أن نقاومها لا أن نكرّسها و لهذا فأنا لا أنصح بمشاهدته و إن كان لا بدّ من ذلك فلا تصطحبوا زوجاتكم و أولادكم و من تحترمون من مرافقيكم. و اللعنة على الصحافة المتملّقة المخادعة التّي أوقعتني في هذا : الخندق

الدكتور الهادي جطلاوي