ربّ ضارّة نافعة

نحن نقاسي هذه الأيّام بسوسة القطع اليومي للماء العمومي. و بما أنّ هذا القطع حاصل عندما يأتي المساء فإنّ الحيرة تصيبنا و الانزعاج يعترينا في غسل اليدين قبل العَشاء (بفتح العين)و بعد العشاء، و في الوضوء لصلاة العِشاء (بكسر العين) و عند تنظيف الأسنان قبل الذهاب إلى النّوم. و لمّا كان القمر يفتقد في الليلة الظلماء فإنّنا لم نقدّر الخدمة الجليلة التّي كان الماء العمومي يسديها إلينا في جريانه دون انقطاع و دون احتجاج بالليل و النهار حتّى انقطع و أوقعنا في حيرة من نسي أنّه كان إلى عهد ليس بالبعيد ينظّف و يغتسل من الحنفيّة العموميّة في بطحاء الحيّ و من جرار الماء و من بئره

و العجب أنّ الحرم المصون قد تأقلمت مع هذا الوضع الجديد فإذا بها توفّر وقت انقطاع الماء العمومي الماء المدّخر من الصباح، و تحرجني بما كان سي السيّد يتمتّع به في حقوقه المنزليّة فتصبّ على يديّ ماء في اللّيان و تعيدني إلى جلسة القرفصاء و الانحناء و إلى عرك اليدين و فركها و تنشيفها و إلى المضمضة و الاستنشاق و الاستنفار. و في اللحظة التّي يصيبني فيها شيء مثل الذي يصيب الطواويس تقلب زوجتي الأدوار و تقول لي لقد حان دورك الآن لصبّ الماء. فإذا بي أكتشف بفضل الله و منّه أنّي كنت مع الماء العمومي وحيدا مثلما كنت مع المدنيّة وحيدا في التلفزة و التليفون و الفايسبوك و غيره و إذا بي عند انقطاع الماء أدخل في كونكسيون و شراكة مع زوجتي عادت بنا إلى ممارسات كنّا ننعتها بالبدائيّة و المتخلّفة و المتأخّرة و كأنّ زوجتي أرادت أن تقول لي : « خُوذْ بناتْ الأصول لعلّ الزمنْ يَطُولْ

فلا تغضبوا لتعطّل المرافق العموميّة و نكد الأزمان وانظروا فربّ ضارّة نافعة

(ملاحظة : لمن يحنّ إلى تونس بلا ماء و لا كهرباء : كتابي : ذاكرة النّسيان في كتاب سليمان.)

الدكتور الهادي جطلاوي