قيس وراشد وهشام…ألا تخجلون؟

تعيش البلاد منذ انتخابات 2019 مهزلة سياسية بأتم معنى الكلمة…فراشد الغنوشي الذي لم يكن يفكّر أو يحلم يوما بالجلوس على أحد كراسي الحكم أصبح رئيسا لمجلس باردو، يجلس أين يجلس من كان يحلم بأن يصافحهم ولو مرّة: جلولي فارس ومحمود المسعدي وغيرهما ممن جلسوا على كرسي رئاسة مجلس نواب الشعب…وقيس سعيد هذا الرجل الذي كنّا جميعا نسخر منه ومن طريقته في الحديث ومن أطلق عليه بعضنا تسمية « الرجل الآلي » يصل كرسي قرطاج ويجلس أين جلس بورقيبة رحمه الله…وهشام المشيشي هذا « الولد » الذي قد لا يتجاوز طموحه في مسيرته المهنية بلوغ إدارة مؤسسة عمومية أو خطة كاتب عام لإحدى المؤسسات الوطنية يجد نفسه جالسا على كرسي كان يجلس عليه الهادي نويرة رحمه الله

ثلاثتهم وصلوا كراسي ربما لا أحد منهم كان يحلم بالوصول إليها…وثلاثتهم كشفوا عن سذاجة غير مسبوقة في إداراتهم لمهامهم…فقيس سعيد أصبح اضحوكة الشعب من شماله إلى جنوبه…وراشد الغنوشي أصبح أكثر شخصية يطالبها الجزء الأكبر من الشعب التونسي بالخروج من المشهد ويحمّلها مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد….أما هشام المشيشي فقد جاء ليكشف لنا حقيقة أخرى لم نكن نعلمها وهي أن الصدفة لا تصنع دائما العظماء، فالمشيشي فشل فشلا غير مسبوق في إدارة الشأن العام ولم ينجح في الخروج ولو خطوة واحدة من الوحل الدي انزلقت إليه البلاد… والغريب في أمر هؤلاء جميعا أنهم انساقوا وراء أطماعهم، وكأني بهم يعيشون مراهقة سياسية متأخرة نسبيا

فساكن قرطاج يريد ويصرّ على المسك بكل خيوط اللعبة والتصرّف في شؤون الدولة وكأنه أمير المؤمنين معللا أطماعه بعدد من صوّتوا له…وراشد الغنوشي يريد أن يكون جزءا لا يتجزأ من الحكم ولا يريد الاكتفاء بالسلطة التشريعية التي لا تسمح له في التصرّف كما يريد في بعض مفاصل الدولة معللا رغبته في ذلك بأنه على رأس أكبر حزب وأكبر كتلة برلمانية وأكبر تحالف برلماني داعم للحكومة…وهشام المشيشي يريد أن يخرج من جلباب ساكن قرطاج ولا يريد أن يعيش تحت جلباب ساكن باردو فحبس نفسه في دائرة عرجاء لن تنجح أبدا في تسيير شؤون الدولة 

ثلاثتهم حوّلوا وجهة كل الشعب إلى حربهم ومعاركهم التي لا تنتهي…فمداولات مجلس باردو أصبحت تثير السخرية وتسبّب الغثيان…وما يأتيه ساكن قرطاج اصبح يضحك أكثر من سلسلة « شوفلي حلّ »…وجهل المشيشي بشؤون الحكم والدولة أصبح يثير القرف والاشمئزاز

فساكن قرطاج يريد إعادة الكُرَة التي هرب بها طاهر عفوا يريد استرجاع ابنه الضال الذي هرب إلى حضن الشيخ راشد ومن معه، ومن أجل أن يعيد الحكومة الضالة إلى ابطه كلفه ذلك ما كلفه فهو لا يبالي أبدا بما يقع في البلاد ولا بما وصلت إليه حالة هذا الشعب المسكين….وساكن باردو يريد أن يكون الآمر الناهي في كل ما يحدث بالبلاد دون أن يتحمّل تبعات أي فشل معلن وغير معلن ولا يريد التنازل عن كرسي باردو ولو كلفه ذلك ما كلفه فالرجل يدرك أن خروجه من كرسي رئاسة مجلس باردو يعني موته سياسيا، إن لم يكن جسديا، فخروجه من باردو سيمسح تاريخه كاملا من أفواه وذاكرة أتباعه وستكون سابقة في تاريخ مجلس باردو، فالرجل لا يريد أن تقرأ الأجيال القادمة في كتب التاريخ : أطرد اليوم الشيخ راشد الغنوشي من رئاسة مجلس باردو بأغلبية مطلقة

وساكن القصبة لا يريد الخروج من القصبة فاشلا ويحلم بأن يخرج البلاد مما هي فيه والحال أنه لا يقدر  حتى على إخراج نفسه من الورطة التي وضع نفسه بين فكّيها…أعود لأقول ثلاثتهم اليم نسوا معاناة الشعب…نسوا أوجاع الشعب…نسوا ما وصلت إليه البلاد اقتصاديا واجتماعيا…فهل سألوا بعضهم البعض ماذا حقّقوا لهذا الشعب منذ جلوسهم على كراسيهم؟؟

ولثلاثتهم أقول دون صراخ…لأني لا أجيد الصراخ كبعض من يؤثثون مشهدنا السياسي اليوم …أقول…ماذا فعلتم لهذا الشعب….ماذا حققتم لهذا الشعب….ماذا فعلتم لطالب الشغل الذي ينتظر موردا ينقذ به عائلته من الضياع والجوع…..ماذا فعلتم لفقير ينتظر مساعدة تُخرجه من الضيق الذي خنق أنفاسه….ماذا فعلتم ليائس قرر الانتحار غرقا هربا من جنتكم الموعودة التي لم ير منها غير الجوع والعطش والتشرّد….ماذا فعلتم لجهات مهمّشة انتظرت وعودكم ولم تأت…ماذا فعلتم لفقير لم يجد مالا ليعرض به زوجته التي تموت يوميا على طبيب….ماذا فعلتم لمشرّد لم يجد موردا يكفيه بناء بيت صغير يسكن فيه…ماذا فعلتم لمن ظلمتموهم بعد 14 جانفي وشرّدتم عائلاتهم حقدا وطغيانا….ماذا فعلتم لطالب مات أهله وتركوه عاطلا بشهادة لن تشبعه من جوع…ماذا فعلتم من أجل مئات الآلاف من العاطلين من الذين حلموا بمستقبل أفضل في ظلّ وعودكم الكاذبة…ماذا فعلتم لمن خسر شغله لأن بعضكم اعتصم أمام مورد رزقه يمنعه من الدخول…ماذا فعلتم وبعضكم يغلق مواقع العمل حقدا وبهتانا…ماذا فعلتم…وماذا حققتم من آلاف الوعود…وآلاف الشعارات التي رفعتموها….ماذا فعلتم وأنتم تطردون المستثمر الذي جاءكم راغبا في مساعدتكم…ماذا فعلتم وأنتم تعطّلون كل مفاصل العمل والشغل لتحقيق مصالحكم ومصالح عائلاتكم ومن بايعوكم على خراب البلاد….ماذا فعلتم وبعض الشعب ينام ليلته دون أن يسعد بلقمة بعد جوع أيام وأسابيع…ماذا فعلتم وبعض الشعب يموت كمدا وحسرة على رزق ضاع بسبب ما فعلتموه بالبلاد…ماذا فعلتم.؟؟؟ الشعب لا تهمه معارككم…ولا يهمه من يحكم…ولا يهمه من الوزير…ومن المدير…ومن السفير…الشعب يريد لقمة…وشغلا…وأمنا…واستقرارا فقده منذ جاء بعضكم كاذبا…رافعا لشعارات مات أهلها…ماذا فعلتم….وبعض الشعب يموت كل يوم….وأنتم تفاخرون بما لم تنجزوه….ماذا فعلتم….لم تفعلوا شيئا…فقط وزعتم الإحباط….واليأس….في وطن كان أجمل قبل مجيئكم….وقبل خروجكم عليه بشعارات كاذبة

ألا تخجلون مما فعلتم…ومما أتيتم…لوطن كان أفضل …لا استثني أحدا…فيا قيس وراشد وهشام…ألا تخجلون…مما تفعلون..؟

سلامة حجازي