رسالة مفتوحة إلى عناية السيد الباجي قائد السبسي: 15 يوما قبل الرحلة إلى المجهول

أنا، خديجة توفيق معلّى، مواطنة تونسية، محامية ومستشارة دولية، إمرأة وُلدت وترعرعت في زمن الزعيم بورقيبة الذي عَلَّمَناَ كيف نناضل من أجل حقوقنا، وبفضل ما قام به، تميَّزت المرأة التونسية عن كل النساء العربيات والإفريقيات بِتَحَصُّلِها على مُعظم حقوقها الكونية التي جعلتها ترفع رأسها عاليا بكل فخروإعتزاز، في كل المحافل الوطنية والدولية، وجئتَ سيدي لتُكَمِّل نفس المسيرة الحقوقية حينما ناديتَ بحق المرأة التونسية في المساواة في الميراث وأيضا حقها في إختيارزوج ليس من دينها بالمساواة مع الرجل التونسي الذي يملك هذا الحق

ولأننا كنساء تونسيات، ساهمنا بالعدد الأكبر من الأصوات الإنتخابية التي كان لها الفضل في إرتقاءك سيدي، إلي هذا المنصب، وكُلنَا أملاً فيك في إكمال مسيرة الزعيم بورقيبة التنويرية والوطنية، أتقدّم إليك، سيدي رئيس الجمهورية، بإسمي وبإسم المليون إمرأة اللّواتي منحنك أصواتهنّ سنة 2014، بطلبِ أن تأمربتأجيل الإنتخابات البلدية المزمع تنظيمها يوم 6 ماي 2018

هذا المطلب مبني على عدم إكتمال العناصرالقانونية والموضوعية لإجراء هذا الإستحقاق. وتتمثّل أهمّ هذه المعوّقات والمخاطر في ما يلي

1. كيف يمكن أن تَتِمَّ عملية إنتخابية كاملة بدون قانون يَحكم كل أركانها ويضمن تمثيلا عادلاً وديمقراطيا لكل أطراف العملية، قانوناً يجب تشريعه بهدوء ودون تسرع حتي يضمن الحد الأدني من القواعد الموضوعية والقانونية التي تُحيط بالعملية وتُخرجها في أفضل ثوب، وحتي لا تُصبح العملية كلُّها مبهمة غير واضحة الملامح سواءا للناخب أوللمترشح؟

2. إنّ عدم التوازن في عدالة التوزيع الجغرافي للأحزاب في الولايات المختلفة، أمرقد يعطي المجال لسيطرة شبه أكيدة لطرف حزبي دون الآخرين، أياً كان هذا الطرف، وهذا أمر مَحلَّ توجّس الجميع، سيّما وأن التاريخ القريب يشيرإلى ما سقطت فيه دولة الجزائرالشقيقة حين دخلت في صراع دموي دامَ أكثر من خمسة عشر سنة، ما زالت آثاره وتداعياته واضحة حتي الآن. ونحن لانريد لتونس أن تسقط هذة السقطة السياسية التي لا ولن يقدرأحد على تَحَمُلِ تباعاتها، أمام الشعب وأمام التاريخ

3. إنّ ما يتضمّنه مشروع مجلة الجماعات المحليّة في التأسيس للامركزية الإدارية والمالية وحق رؤساء البلديات في إتخاذ كافة القرارات المالية والإدارية وحتي التصرف في أراضي الدولة دون الرجوع للإدارة المركزية هي خطوة محمودة للأمام، ولكن التأسيس لنظام مختلف تماماً عمَّا كان موجوداً منذ الإستقلال وحتي الآن، يحتاج لإستقرارسياسي ومجتمعي وتوافق حزبي وجاهزية لكل الأطراف للتعامل مع هذا النظام الجديد الذى يختلف كلياً عن النظام السابق. وإلاَّ كما هو واضح في الوضع الحالي : عدم التوافق السياسي والإجتماعي
وكأننا بدلا أن نتجه نحو اللامركزية، نحن نتجه نحو تقطيع أوصال الدولة إلي جزئيات صغيرة وكأننا نساعد في بيع التراب الوطني ومقدرات الشعب لجهات بعينها تخطط للسيطرة والإنفراد بالحكم للسعي نحو حلمها الخاص

4. إنّ ما يتضمّنه مشروع مجلة الجماعات المحليّة في التأسيس للامركزية بما فيها حق رؤساء البلديات في التصرف في التراب الوطنى التونسي، الذي ناضل شعبنا من أجل الحفاظ عليه وعلى إستقلاله وسيادته، بما في ذلك تمليك الأراضي للأجانب، هو نص خارج عن كل الأطرالموضوعية والقانونية، وهو حق دستوري فقط، يحتاج إلى أن يصوت عليه نواب الشعب، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يُترك قراركهذا لمن هو دون هذا التمثيل… أي منطق وأي قانون يبيح ذلك ؟

5. إن إنفراد البلديات بإتخاذ قرارات مالية وإقتصادية لا مركزية، يحتاج لدولة مستقرة إقتصادياً ومالياً وسياسياً ضمن خطة إقتصادية وطنية متكاملة، مقومات لا زالت تفتقدها تونس ما بعد 2011

لذلك، فإن تدخلكم لإرجاء هذه الإنتخابات المستعجلة في أطرها وفي ترتيباتها، أصبح أمراً لايحتمل التأجيل، وهو مسؤولية وطنية من الدرجة الأولى، سيحاسبكم عليها الشعب والتاريخ إما إيجابا أوسلباً، وإنه من الضرورة القصوى تجنيب البلاد الدّخول في نفق مجهول الملابسات والعواقب. إنّ سلامة وأمن وإستقراروطننا من مسؤولياتكم العليا وهي أمانة فوَّضك الشعب التونسي عليها، ووضع ثقته فيكم ولايزال. وسيذكرالتاريخ لكم موقفكم الوطني هذا، كعاشقٍ ونحن معكم عُشاقٌ لأرض هذا الوطن

سيّدي الرئيس، بصفتي مواطنة ومناضلة من أجل الحقوق والحريات وإمرأة تونسية تعتز بأصولها وجنسها، فإنّني أطلب منكم بإسمي وبإسم كل إمرأة تعتزبهذا الوطن ومُلتزمة برفعته، أن تُجنِّبُوا بلادنا أزمات سياسية وإجتماعية وأمنية وإقتصادية، وذلك بالأمر بإيقاف هذه الإنتخابات حتى يتم إعداد القانون بطريقة تضمن التنافس العادل والنزيه للأحزاب كافة ووجود مناخ إقتصادي وسياسي وإجتماعي يساهم في مواصلة المسارالديموقراطي في ضلِّ حركة تنويرية نحو فصل واضح وصريح بين الدين والنظام السياسي، فصل بدونه تبقى التنمية حلما ووعد من المستحيل تحقيقه لوطننا الغالي

خديجة توفيق معلّى