هكذا كان الهادي نويرة وهكذا إلهامه سيظل

الذكرى السادسة والعشرون لوفاة المرحوم الهادي نويرة
هكذا كان الهادي نويرة وهكذا الهامه سيظل

طوال المدة التي كنت اعد لكتابي « المرآة والأفق- تونس الحلم » كان المرحوم الهادي نويرة حاضرا في مختلف مراحل الكتابة في المرآة كما في الأفقَ. لا فقط لأنه نالني شرف تقلد مهام محافظ للبنك المركزي لمدة طويلة أدركت فيها لمساته في مختلف أوجه نشاط هذه المؤسسة كحرصه على أن يولد هذا البنك على قدر من الاستقلالية تفوق بكثير بنك فرنسا التي كان آنذاك ينشط تحت وطأة وزارة المالية الفرنسية وحرصه أيضا على استقلالية الدينار كرمز من رموز السيادة الو طنية

كان المرحوم كذالك حاضرا طوال مراحل إعداد الكتاب لأني أتقاسم معه عديد التوجهات و المبادي التي عرضتها في الباب الثاني من الكتاب الذي جاء تحت عنوان الأفق

أولا꞉ على مستوى المرآة
من الطبيعي أن تعكس المرآة تأثير المرحوم على الوضع الاقتصادي للبلاد عندما كان يتقلد مسؤوليات وطنية و حتى بعد وفاته. فالمرحوم هو بالنسبة لي أول من وضع الاقتصاد الوطني على المسار الصحيح حيث كانت بصمته واضحة وجلية خلال العشرية الثانية للتنمية التي شهدت فيها البلاد نسق النمو الأرفع في تاريخها و انطلقت فيها البلاد في سياسة اقتصادية تحررية اعتمدت على فتح المبادرة و التشجيع على الاستثمار و التصدير كان تأثيرها حاسما حتى بعد مغادرته للسلطة لان الانجازات التي تحققت في التسعينات هي التي أعطت البلاد الثقة و أعطت الإطارات التي عايشت المرحوم الثقة في النفس و الاعتماد على القدرات الذاتية حتى وان شهدت تونس خلال النصف الأول من الثمانينات صعوبات كبرى أمكن تجاوزها بفضل تفاني إطارات تتلمذت على المرحوم أمثال السادة رشيد صفر و اسماعيل خليل و النوري الزرقاطي و غيرهم كثيرون

على مستوى الافق
ان المقترحات التي جاء بها الكتاب في جزئه الثاني انبنت على مجموعة من المبادئ و التوجهات التي تتقاطع مع تلك التي نادى بها المرحوم و عمل من اجل وضعها موضع التنفيذ سأقتصر على ذكر أربعة منها
أولا- مبدأ الوطنية و الاعتماد على القدرات الذاتية للبلاد مع استغلال إمكانيات التعاون الدولي في إطار استقلالية القرار الوطني. لست في حاجة إلى إبراز أن المرحوم الهادي نويرة هو من فك الارتباط مع الفرنك الفرنسي كما عول عند مروره إلى الوزارة الأولى على إمكانيات البلاد الذاتية بينما كان وضعها المالي و الاقتصادي بعد تجربة التعاضد يسمح لها بالالتجاء إلى المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي او البنك العالمي
ثانيا- مبدأ التواصل و عدم القطع مع الماضي لأنه كما يقال لا مستقبل لبلد يتنكر لماضيه. لم يلعب المرحوم ورقة الإقصاء ولم يشيطن الإدارة و سعى إلى إصلاح الأوضاع بالاعتماد على الإطارات المتواجدة والجديدة باعتبار أن الإدارة هي إدارة جمهورية في خدمة الوطن و ليس في خدمة الأحزاب او الفئات مهما كان وزنها
ثالثا- مبدأ التعويل على المبادرة و الاستثمار الخاص مع الحرص أن يركز القطاع العام على دوره في توفير الإطار الملائم للتنمية عبر تطوير البنية الأساسية و الموارد البشرية و لان واصل القطاع العام تدخله في بعض قطاعات الإنتاج كالاسمنت و السياحة فلربما لان فكرة تخصيص المؤسسات العمومية كانت آنذاك سابقة لأوانها
رابعا- النظرة إلى المسائل الاجتماعية و هو الذي يعتبر ان لا سياسة اجتماعية ناجعة دون نمو اقتصادي و أن التنمية الاقتصادية و الاجتماعية هما وجهان لعملة واحدة وان أساس التنمية الاجتماعية هو بناء القدرات الذاتية عبر التربية و التعليم و التكوين و فتح باب المبادرة و هو ما تعودنا على تسميته بالمصعد الاجتماعي والذي تعطل خلال السنوات الأخيرة مما أدى الى اهتراء رقعة الطبقة الوسطى. نحن نتقاسم مع المرحوم هذه النظرة كما يبرز ذلك من خلال الباب الذي جاء في الكتاب تحت عنوان « ذو رِيال سوسيال » ( الواقع الإجتماعي ) بمعنى السياسة الاجتماعية الواقعية بعيدا عن الدغمانية والأفكار الجامدة التي تعتبر أن تطور رأس المال و التخصيص و غيرها من آليات دفع النمو تتعارض مع الأهداف الاجتماعية

حتى لا يجف الحبر والحبر لن يجف

توفيق بكار