لماذا يزور قيس سعيد ضريح الزعيم بورقيبة؟ وهل لهما المقاس نفسه كي يلبس جبته؟

شهدت الذكرى 24 لوفاة الزعيم لحبيب بورقيبة زيارة أداها رئيس الدولة إلى الضريح ليضع على قبره إكليلا من الزهور ويترحم عليه. وقد تظهر هذه الزيارة عادية وتتنزل ضمن أنشطته الروتينية إلا أن ما ميّزها من مشهدية وتضخيم للمراسم الرئاسية والبهرج الذي رافقها يعكس النوايا الحقيقية من وراء ذلك ويبعث برسائل تستهدف جمهورا بعينه، خاصة ونحن في سنة انتخابية. ومن المفارقات أن الرئيس قيس سعيد كان يندد ويرفض زيارة بعض السياسيين قبر الرئيس بورقيبة في ذكرى وفاته السنوية حيث علّق على مثل تلك الزيارات قبل توليه الرئاسة في حوار إذاعي سنة 2017 قائلا: « من يذهبون إلى قبر بورقيبة اليوم يبحثون عن مشروعية سياسية في رفات الموتى ». ويبدو أنّ الرئيس وقع في التناقض مع ما كان يعيبه على خصومه. وقد أظهر بكل وضوح أنّه هو أيضا ممن يبحثون عن مشروعية سياسية في القبور، ويستثمرون في الرأسمال التاريخي والسياسي الذي تركه بورقيبة. وهو أيضا ممن ينخرطون في أخذ حصة من الخزان الانتخابي للبرقيبيين. وللتذكير فقط، رغم أني لست مدافعا عن بورقيبة، لكن أؤكد على أن ما بناه بورقيبة لسنوات طوال قد أسقطته معاول الهدم لحركة النهضة وحلفائها ولمسار 25 جويلية. وتكفي الإشارة فقط إلى أن بورقيبة بإلغاء النظام البايوي والإعلان عن الجمهورية وبناء الدولة الحديثة والنهوض بالمجتمع التونسي والخروج به من التخلف والتطاحن القبلي والجهل والأوبئة وعمم الحظائر لإنقاذ الشعب التونسي من الجوع، وأصدر مجلة الأحوال الشخصية، التي منعت تعدد الزوجات وجرّمت إكراه الفتيات على الزواج قبل سنّ 17 سنة، ووفّر الظروف المناسبة أمام المرأة كي تصبح مساوية للرجل. وأقر مجانية التعليم وإجباريته، حيث خصّص أول قرض في تاريخ البلاد من البنك الدولي لبناء المدارس والمعاهد، وأسس بعد سنوات قليلة من الاستقلال نواة الجامعة التونسية، التي أسهمت في تشكيل نخبة نيّرة في مجال الفكر والعلوم، ولبى حاجيات البلاد والدولة من الإطارات الكفأة. وبنى منظومة صحية عمومية كانت من بين أهم رهانات الدولة الحديثة وإنجازاتها

ومن بين أهمّ إنجازات بورقيبة هي أنه بعث الدينار كعملة تونسية بديلة عن الفرنك الفرنسي وأنشأ البنك المركزي. ووضع أسس اقتصاد وطني قائم على التكامل بين الصناعة والفلاحة، الذي جعل منه ركيزة التنمية الوطنية، ودعّم هذا التوجّه بإقامة أقطاب صناعية مثلت ركائزة للتنمية الجهوية. وجعل من السياحة إحدى دعائم الاقتصاد الوطني. وهكذا يكون قد وفّر الظروف المناسبة لتربية الأجيال الأولى لدولة الاستقلال على قيم الحداثة والعقلانية والتنوير. تلك هي الإنجازات التي قوضتها حركة النهضة وتنكر لها قيس سعيد، واعتبرها كلاهما، كما سائر جماعات الإسلام السياسي، أفكار وطبائع غربية استعمارية

إن قيس سعيد وهو رئيس للجمهورية ويستعد للترشح من جديد لهذا المنصب، يحاول رفع نفسه إلى مستوى أول رئيس للجمهورية، خاض معارك وتجارب سياسية عديدة أيام النضال في سبيل الاستقلال وناقش في السياسة والفكر والثقافة، واتفق واختلف، وانشق عن الحزب الدستوري ليؤسس الحزب الدستوري الجديد واتحد مع الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة فرحات حشاد، وتحاور مع العديد من زعماء حركات التحرر الوطني، وكان إلى جانبه زعماء سياسيين ونقابيين ومثقفين، حتى أنه لمّا حانت اللحظة التاريخية لبناء دولة الاستقلال، كانت قد توفّرت له ملكات تساعده على إدارة الدولة والشأن العام، رغم أن النظام السياسي الذي كان قد أقامه ديكتاتوري. لكن ما الذي يحمله قيس سعيد في جرابه من خبرة وتجربة سياسية سوى تلك التي اطلع عليها في دراسته أو في المحاضرات التي ألقاها، وفي ما استمع إليه من خطابات للشباب الطلابي في الجامعة. وفي ما عدى ذلك لم يعرف من تجربة سياسية مباشرة، إلا بعد 14 جانفي 2011، كانت في غمرة الحراك الشعبي، وتقاربه مع بعض المجموعات من جماعات الإسلام السياسي ومجموعة يسارية ومستقلين. لكن أهمّ معاركه كانت ضد طواحين الهواء، بحيث لم يترك مناسبة تمرّ دون أن يردد على مسامعنا شعارات حربه المقدسة ضدّ من يريدون تفكيك الدولة وضرب وحدة الأمة وضدّ المفسدين والمضاربين ومجوعي الشعب والمنكلين به والمناوئين وضد أعداء الوطن. ولن يتعافى إلا بتطهيره من هذه الفيروسات بالمضادات الحيوية المتمثلة في تطبيق القانون والزج بكل صاحب وكل مغاير وكل متهم بالفساد أو الاحتكار، في السجن، حتى أضحى منجزه السياسي الكبير هو التأطير الأمني وعدد قضايا أمن الدولة وتطبيق المرسوم 54 ضد الجميع، من جمعيات ومنظمات وأحزاب، ومن شبكات التواصل الاجتماعي

ومن منجزاته التي تذكر أنه فكك مؤسسات الجمهورية وهيئاتها وعوّض دستور 2014 بدستور 2022 الذي تخلّى فيه عن الدولة المدنية وفرض على أن تكون المهمة الرئيسية للحكومة هي العمل طبقا لمقاصد الشريعة، وهي خطوة لم تقدر عليها حركة النهضة لمّا كان لها، مع حلفائها، الأغلبية في المجلس التأسيسي، ولمّا كانت تمسك بالسلطة

ويتمثل منزجه الاقتصادي والاجتماعي في تعميق الأزمة الاقتصادية إلى أن وصلت بالبلاد إلى حافة الإفلاس وترك الشعب التونسي يواجه ندرة البضائع ويتصيدها عن طريق الطوابير التي تتشكل للحصول على خبزة أو سكرّ أو حليب أو أرز. وعثر السيد الرئيس المترشح على ضالته في البديل التنموي « الشركات الأهلية »، وهو بصدد توظيف إمكانيات الدولة لإنجاحة

هذه هي حصيلة حكم الرئيس « صاحب السيادة »، وذاك هو مشروعه الاقتصادي والاجتماعي الذي يقدمه لبناء اقتصاد البلاد والنهوض به

رياض الرمضاني، الحرب الإشتراكي