سامي الفهري يمارس أبشع عملية اغتصاب ذوقي

حتى نعطي لقيصر ما لقيصر، لا تظلموا سامي الفهري، فهو لم يكذب عليكم يوما، ولم يدع انه فنان أو مبدع، بل قالها بلسانه يوم استضافته قناة العربية: (أنا بائع محتوى ترفيهي). استمعوا إليه جيدا، لم يقل صانع محتوى، بل بائع محتوى، وهو يقول (ثمة اتفاق بيني وبين الجمهور ينبغي عليّ بمقتضاه أن أجعله يضحك وأجعله يبكي وأجعله ينتظر بالتشويق. وكل عمل تتوفر فيه هذه القواعد الثلاث يمكن اعتباره ناجحا..)

قديما قال سقراط: تكلم حتى أراك. وعندما تكلم سامي الفهري في منبر غير المنابر التي تعود أصحابها لعق حذائه بدا مرتبكا متلجلجا، و(خرأ) هذه النظرية التي تفسّر كل شيء، وتكشف عن بلاهة قلّ نظيرها وخواء لا مثيل له. إنه يربط نجاح (أعماله) بمدى توفقها في التلاعب بمشاعر الناس: أن يجعلهم يبكون ويضحكون وينتظرون. لا يوجد في قاموسه شيء يتصل بالإبداع والخلق الفني، وهو غير معني إطلاقا بالجدل القائم حول تأثير التلفزيون في التنشئة الاجتماعية وتعزيز المجال القيمي، وينام قرير العين، لأن كل الشواهد تدل على أنه قد نجح، فحتى مشاعر السخط التي يعبر عنها الرافضون والمنزعجون يحتاجها هو ليدعم إحساسه النرجسي بالرضى 

إن هذه المقدمة التي حرص عليها سامي الفهري قبل الإجابة عن الأسئلة التي وجهت إليه بخصوص مضامين مسلسله، تدل بوضوح على أننا نطالبه بما ليس فيه وفاقد الشيء لا يعطيه

إن الأساس النظري الذي يصدر عنه يكشف عن عقل انتهازي يعتقد في قدرته على التحكم في مشاعر المتفرجين وتلك أقصى غاياته، ويتحقق له ذلك مع فئة عريضة من المتفرجين تستسلم له بدافع الفضول أولا وقبل كل شيء (لا نتحدث هنا عن القطيع الذي يؤمن في قرارة نفسه بأنه مبدع لم يجد الدهر بمثله). لكن المشكلة الحقيقية في ظل الراهن الإعلامي تتمثل في قلة العرض بما يحدث توازنا فادحا بين الرداءة والجودة. ففي الوقت الذي يلتزم فيه التلفزيون العمومي باستيفاء كل كل شروط المهنية في الإنتاج من حيث احترام الوظائف والتخصصات بما يجعل الكلفة عالية جدا. يستطيع هو (لا ينطبق هذا على القطاع الخاص كله) الإنتاج بأقل التكاليف إذ لا يلزم نفسه إطلاقا باحترام شروط الكتابة الدنيا، ولا مقتضيات الإقناع في تصوير الشخصيات ويعول بديلا عن كل هذه الثغرات على جمال المظهر الخارجي فحتى القاتل الإرهابي أظهره (بلا سبب) في مظهر عارض أزياء فاتن

البقية تعرفونها، فهو ينتج وهو يبث وهو الذي يقرر أن عمله قد نجح وتفوق على أعمال التلفزيون العمومي، وهو الذي يختار من يستحق التتويج من ممثليه ومن هو اكتشاف الموسم…في غياب سلطة نقدية صارمة تستطيع أن تقنع الناس بأنهم يتعرضون إلى أبشع عملية اغتصاب ذوقي لم تحدث من قبل

عامر بوعزة