الاتحاد يكبح فرامل تأييده لـ «25 جويلية»… تونس في المنعطف الأخير !

لم يأت الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أمس السبت 4 ديسمبر2021 بالجديد حين تحدّث عن اليأس الذي بلغ مداه وعن بداية تهديد مظاهر العصيان بانفجار غير محمود العواقب في بلادنا، وهو ما تؤكده المتابعة اليومية للشأن العام وما ترصده الجمعيات والحركات الاجتماعية والأحزاب الوطنية، وطبيعي في هكذا إطار أن نعترف بأن تونس تعيش بالفعل منعرجا هو بالأحرى المنعطف الأخير الذي لا نعلم بالفعل مآلاته إذا لم تتمّ الهبّة الضرورية للإنقاذ وإعادة صياغة الموقف وآليات التعامل مع : 25  جويلية

وهذه الخشية من الآتي، فسّرها وفكّكها ورسم خطوط تجاوزها وحلحلة تكلّسها الأمين العام في الكلمة التي ألقاها بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة والستين لاغتيال الزعيم الوطني والنقابي فرحات حشاد وعزا تراجع منسوب الثقة إلى أدنى مستوياته اليوم إلى تعطل لغة الحوار والجنوح الدائم وغير المسبوق إلى المناكفات السياسية العدمية والعبثية

وتحدث الطبوبي أيضا عن الإدارة التي نخرها الفساد و«زُجّ بها في التجاذبات السياسية فأقعدها عن أداء مهامها وأصبحت تُوظّف لاستباحة الحقوق والحريات والالتفاف على مساعي الإصلاح والسعي المحموم لتفكيك الدولة»، وقد عرّت جائحة الكورونا المستور وتفاقمت معاناة المواطن وانهارت نسبة النمو في الوطن الأمر الذي خلق مناخا غير مسبوق من اليأس الذي دفع بالشباب إلى الانزلاق إلى مستنقعات العنف والجريمة والإدمان أو ركوب قوارب الموت بحثا عن عمل مفقود و كرامة مسلوبة في شمال المتوسط كما أدت الزيادة الجنونية في الأسعار وارتهانها من قبل أباطرة الاحتكار والتهريب إلى إنهاك القدرة الشرائية دون أن ننسى تهالك البنية التحتية وسوء الخدمات العامة

ولم يخف الأمين العام التحفظ عن التعيينات الأخيرة في عديد المواقع والمسؤوليات وأكد على ضرورة : التروي من أجل تغليب الكفاءة والخبرة والوطنية على الولاء

هذا التشخيص الذي يتفق حوله الجميع في بلادنا، كان تكراره وحتى الإطالة فيه والتشديد عليه ضروريا على لسان الأمين العام لتبرير الطرح الجديد للمنظمة الشغيلة التي وجدت نفسها مكرهة على كبح فرامل تأييد ما أقدم عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي حين لجأ الى الفصل 80 من الدستور وفعّل مقاربة الاستبداد الدستوري دون تسقيف زمني ودون الإفصاح عن النوايا وخصوصا دون مد اليد وردّ التحية بمثلها كي لا نقول بأجمل منها لمن بادر بتحية فعلة ساكن قرطاج

«لقد استبشرنا… لقد توسّمنا … لقد باركنا… لقد كنّا على يقين…».. هكذا ذكّرنا الأمين العام بموقف القيادة النقابية من التدابير الاستثنائية التي اتّخذها الرئيس وكيف توسّمت منه خيرا لاحتضان الحوار الوطني وإنهاء التجاوزات وكبح جُموح المصالح الحزبية المتدافعة وتجاوز فشل العشرية السابقة وطيف راهنت عليه لتصحيح المسار الديمقراطي وإعادة الاعتبار لأهداف ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي وإخراج البلاد من النفق وفق خارطة طريق تضبط المهام والأولويّات ووفق إجراءات عملية تنهي حالة التردّد والغموض وتفتح الآفاق لرسم ملامح تونس الجديدة على أساس ثوابت الجمهورية المدنية الديمقراطية والاجتماعية

للأسف، بعد أربعة أشهر ونيف أصبحت قيادة الاتحاد تخشى على مكاسب الشعب من «25 جويلية» وهي خشية تتقاسمها مع طيف واسع من التونسيين وبطبيعة الحال مع «خصوم الرئيس» وحتى مع مسانديه، ومسانديه النقديين ومع معارضيه

والحلّ بالنسبة إلى المنظمة الشغيلة هو طبعا في عدم العودة إلى ما قبل 25 جويلية وتقترح بالتالي الانطلاق في التشاور مع المنظمات ومع شخصيات وطنية ثابتة من أجل الدعوة إلى لقاء وطني يؤسس لتوجه ثالث عنوانه : الإنقاذ في كنف السيادة الوطنية

وذكر الأمين العام أن الاتحاد أنجز جملة من الخطى الاستباقية في مسار الإصلاح وقام بتشكيل لجان للنظر في المسائل التي تحتاج لمراجعة أكيدة مثل تنقيح القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والجمعيات وتفعيل دور الهيئات الرقابية وتركيز محكمة دستورية لا تخضع للضغوطات السياسية

بقي أن هذه الأرضية التي تتحدث عنها قيادة المنظمة الشغيلة لا تحتاج إلى حزام جمعياتي يضم أيضا شخصيات وطنية مهما كانت قيمتها الاعتبارية فقط، ولكن تحتاج إلى الكيانات السياسية التي لم تتورط في الخراب الذي حل بالبلاد والعباد خصوصا وأن أحزابا وطنية تقدمية لم تتلطخ أيديها بلوثة الحكم، لها من الحلول الوجيهة والأطروحات الصائبة الكثير الذي يتقاطع مع ما يذهب إليه الاتحاد العام التونسي للشغل

حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها ونحن نقرّ بأن تونس تسير بالسرعة القصوى في المنعرج الأخير نحو المجهول، وبالإضافة إلى أهمية اتساع صدر من يمسك بالسلطة اليوم وانفتاحه وقبوله بالمراجعات الضرورية العاجلة، أن كثيرا من هنات الحكم موجودة في الطيف المدني والسياسي وهو ما يُضاعف مسؤولية الجميع في اتقاء الله في هذا الوطن العزيز قبل فوات الأوان كما يقال

بقلم مراد علالة