اتّبع عقلك، فالعقل نبيّ (2) : في تجاوزات الإسلام الدّستوريّ وجرائمه الفعليّة والمحتملة

المتعصّب عصيّ على الفساد، فهو إن قتل لمجرّد فكرة فإنّ بإمكانه أيضا أن يبذل روحه دفاعا عنها. وهو في الحالتين مستبدّ، أو شهيد، أو وحش. ليس ثمّة في النّاس أكثر خطرا من أولئك الّذين تعذّبوا دفاعا عن معتقد مّا، فعظام المضطهدين إنّما ينتخبون في صفوف الشّهداء الّذين سلمت رؤوسهم من القطع
إميل سيورون، « موجز في ماهيّة التّحلّل »، ضمن أعمال سيورون، ص 582

– 26 –

« الإسلام السّياسيّ » أدان نفسه بنفسه باعتماده الفصل الأوّل من الدّستور القديم (وأفصح عن جوهره الانقلابيّ ضمن الفصل السّادس من الدّستور الجديد)، الّذي صيغ في عهد عدوّه اللّدود الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة، وذلك لأنّ في قبوله به إقرار ضمنيّ بأنّ دولة الاستقلال لم تكن للإسلام عدوّا، ولم تحل بين التّونسّي وهويّته، ولم تقترف جريمة « التّصحير الدّينيّ » المزعوم، ومنها جميعا قدّ سماسرة المنابر والمحاريب « قميص عثمانهم » واستباحوا به دولة تونس، وشعب تونس، ومقدّرات تونس، وأثقلوا كواهلنا نحن التّونسيّين بإتاوات التّعويض، جزاء وفاقا لنا على صمتنا وخنوعنا وجبننا وتواطئنا خلال « سنوات جمرهم » المجيدة الّتي عجّلت – في زعمهم – بحلول ثورة الرّبيع الياسمينيّة بين ظهرانينا. ربيع سرعان ما تحوّل بفضل عبقريّتهم الماضويّة إلى شتاء قروسطويّ زمهرير

– 27 –

أن يكون الإسلام دين أرض تونس، أو دولة تونس، لا يعني ضرورة أنّ على تونس ودولتها أن تلتزم بأحكام الشّريعة لأنّ « الإسلام » ليس مرادفا للشّريعة إلاّ في عرف من جعله « دينا ودولة »، كما وقع الإعلان عن ذلك مرارا كثيرة خلال حفلات الصّلوات المناسبيّة الاستعراضيّة المشهديّة الكرنفاليّة الّتي أقامها السّاسة الجدد في الملاعب والسّاحات العامّة والشّواطئ والطّرق السّيّارة، وفي كلّ مكان يتّسع لجحافلهم المظفّرة، بدعوى أنّ أرض تونس كلّها مسجد وفقا لقرار مهمور بإمضاء « الإسلام الدّستوريّ » مباشرة بعد اعتلائه لسدّة الحكم في البلاد

– 28 –

هل من باب الصّدفة أن تهاطلت علينا أخيرا صور « رئيسة » بلديّة تونس الجديدة، « نجمة » الإسلام الدّستوريّ المكتسح، وهي تضطلع، رفقة عدد من أعضادها الميمونين والميمونات، بواجب رفع الفضلات الّتي تكدّست في مدننا وقرانا خلال عهد التّرويكا السّعيد؟ ألا يعني ذلك أنّ الواجب المدنيّ العاديّ، المتمثّل في رفع الفضلات، أضحى منذ اليوم امتيازا إيمانيّا إسلامويّا؟ ألا يعني ذلك أيضا أنّ كلّ الخدمات المدنيّة ستتحوّل تدريجيّا هي الأخرى إلى « لفتات إيمانيّة » يتكرّم بها بين الحين والآخر « أولي الأمر ووليّاته » على رعاياهم ورعاياهنّ من أنعام دولة الإسلام الدّستوريّ المجيدة؟ ألم يقل رأس الفرقة النّاجية سابقا، وهو متوشّح تاج دولته التّرويكيّة الآفلة، أنّ على رعاياه أن يشكروا فضله ليلا نهارا لأنّه لم يقطع عنهم الماء والكهرباء؟ ألا يعني ذلك في النّهاية أنّ دولة الإسلام الآتية ليست معنيّة بشؤون الحياة الدّنيا الزّائلة، وإنّما دأبها وهمّها أرواح التّونسيّين، تتعهّد باستخلاصها من براثن الضّلال الحداثيّ الوبيل؟

– 29 –

إذا كان من الجائز للإسلام الدّستوريّ أن يفيض عن المسجد، فلماذا لا يقع إذن إلغاء المساجد وإعلان الفضاء المدنيّ – أو فضاء المدنّس كما يقال اصطلاحا – برمّته فضاء مقدّسا؟ وقد يكون من المفيد، حرصا من الدّولة التّونسيّة المسلمة على ميزانيّة بيت مال المسلمين، المتأتّيّة من القروض والصّدقات والتّبرّعات الخارجيّة، أن تلغى كافّة الوزارات ذات الصّبغة المدنيّة ويفوّض أمر تسيير الشّؤون العامّة لوزارة شؤون الإسلام الدّستوريّة وأذرعها الحسبويّة الرّسميّة والتّطوّعيّة

– 30 –

للإسلام الدّستوريّ كامل الحقّ في تجريدك من ضميرك وعقلك وقناعاتك الفكريّة والإيديولوجيّة، بل وإنسانيّتك أيضا. ومن حقّ الإسلام المدستر توافقا أن يحكم عليك بما تقتضيه المصلحة العامّة وفقا لضوابطها الدّستوريّة الجديدة الّتي لا تجيز الاختلاف تحت أيّة ذريعة لأنّ الاختلاف باب مفتوح على كلّ أشكال الفتن والأهواء. ومن المريح للجميع، كما يقول مثلنا الشّعبيّ الحصيف، إغلاق الأبواب الّتي تهبّ عليك منها الرّياح

– 31 –

اعلم أنّ « الإلحاد » جريمة دستوريّة قد تقودك إلى ساحة الشّجب والتّعزير والسّحل والذّبح والرّجم، وتقودك في أهون الأحوال إلى مستشفى الأمراض العقليّة بمباركة المجتمع الإسلاميّ الدّستوريّ بأسره ودولته الميمونة

– 32 –

الإسلام الدّستوريّ لا يخشى « الإلحاد » في حدّ ذاته لأنّه لم يعد ثمّة في تونس اليوم – على حدّ قول رأس الفرقة النّاجية – من يجرؤ على إعلان إلحاده على الملإ، ابتداء بأحزاب اليسار الشّيوعي الماركسيّ الّتي سارعت بمحو هذه « الوصمة المشينة » من بطاقات تعريفها الرّسميّة. ما يخشاه الإسلام الدّستوريّ ويرتجف منه فرقا هو أن تحدّث بعض « الأنعام » (من خارج أهل الحلّ والعقد بمشاربهم المختلفة، المتورّكين اليوم على أرائك مجلس نوّاب الشّعب) بالانزياح عن إيمان القطيع الّذي حوّل الإنسان إلى « حيوان دينيّ » وديع، لا سعادة له إلاّ في « السّمع والطّاعة »، والرّكوع والسّجود على سجّاد الولاء والبراء.
– 33 –
لكي تكون إنسانا عاقلا يجب أن تكون، أوّلا وقبل كلّ شيء، مسلما دستوريّا أسوة بوالديك، وأهلك وذويك، وأهل بلدك وفرقتك النّاجية. فالخير – كلّ الخير – فيما تواطأ عليه هؤلاء جميعا، لا فيما يلقي به في وهمك الوسواس الخنّاس من ترّهات وهلاوس عن حرّيّة لن تقودك إلاّ إلى خسارة الدّارين.

– 34 –

الإلحاد » – والأصحّ أن يقال « الكفر » – معادل للجنون، ما في ذلك شكّ. وهو ما يفيد ضمنيّا أنّ العقل مرادف للإيمان بالإسلام الدّستوريّ، دون غيره من « إسلامات » المروق والزّيغ المتربّصة به وبذويه من الصّالحين القانتين

– 35 –

لقد بات واضحا في ظلّ ما نشهده من وقائع الاضطهاد والقتل اليوميّة أنّ « الإسلام الدّستوريّ » هو باب مشرع على كلّ أشكال الإرهاب الأسريّ والمجتمعيّ والإداري والقانونيّ والجزائيّ والمؤسّساتيّ والطّبّيّ. سيف داموكلاس هو، ولن يتردّد، ما لم يغمد طوعا أو كرها، في استئصال من يجازف بالوقوف في وجهه

– 36 –

لا معنى لمبدأي حرّيّتي الضّمير والمعتقد في ظلّ دستور تعلن فاتحته المقدّسة بكلّ عنجهيّة أنّ « الإسلام » حتميّة بيولوجيّة لا فكاك منها لأحد حتّى لقد بات من الضّروريّ اليوم، في ظلّ دولة الإسلام الصّاعدة، أن يستبدل التّونسيّ الكوجيتو الدّيكارتيّ الفاجر البغيض بالكوجيتو الهوويّ الأصيل: « أنا تونسيّ، إذن أنا مسلم »، تمهيدا لاستبدال هذا الأخير بكوجيتو الحقّ الأبلج الّذي سيلعلع سيلعلع صوته الجهوريّ في كلّ آفاق المعمورة: « أنا إنسان، إذن أنا مسلم ».
– 37 –
لا يمكن للإسلام السّياسيّ – ولو تدستر – أن يتعايش مع قانون الاختلاف الطّبيعيّ لأنّه ينزل به من علياء المطلق إلى حضيض النّسبيّة، فيضحي هو والعلمانيّة سواء، يتجاذب وإيّاها في الظّاهر أطراف « التّوافق » مدّا وجزرا، ويتربّص بها الغوائل سرّا في كلّ آن وحين، وأمله أن يستنفد قوّتها ويمتصّ حيويّتها حتّى يجهز عليها بالضّربة الدّستوريّة القاضية وتذهب ريحها إلى الأبد

– 38 –

هل من الممكن عمليّا بناء ديمقراطيّة في بلد أجمع مؤمنوه وملحدوه وعامّته وخاصّته أنّهم مسلمون كلّهم؟ هذا « التّماثل » الوهميّ في العقيدة هو ازدراء للعقل لا يمكن أن يفضي إلاّ إلى الخراب والعدم ممثّلا في « الإسلام الدّستوريّ » المكتسح

– 39 –

إن كان لثورة 14 جانفي 2011 من مزيّة تذكر فهي تكمن في إلزامها فسطاط العلمانيّة الكافرة باعتماد « الإسلام » دينا دستوريّا للبلاد والدّولة. هذا هو الغلّ الّذي كبّل الأيدي وكمّم الأفواه، وحوّل أقطاب التقدّميّة إلى مشعوذين يتمسّحون بأعتاب أولياء الله الصّالحين تزلّفا للأصالة الشّعبيّة، ويرتعدون فرقا من كلّ الأفكار « المتطرّفة » الصّادمة لنزعات الشّعب الغيبيّة وتهويماته الخرافيّة، شعارهم المفضّل : لا خير في إصلاحات سابقة لأوانها

– 40 –

ما رأيكم في قاتل سفك دم « الطّاغوت » مدّعيا أنّه باسم الله أراقه، ثمّ جندل بدوره وأعلن « الطّاغوت » أنّه باسم الله أزهق روحه، فأيّ الرّجلين – في رأيكم – قضى نحبه استجابة لداعي « الإسلام الدّستوريّ »، وكلا « الضّحيّتين » سُربل في عباءة « الشّهادة » الفضفاضة الّتي لا ترى غضاضة في إيواء القاتل والمقتول في فيئها العميم؟

– 41 –

ما الفرق بين يمين إسلاميّ دستوريّ يؤكّد أنّ السّير القهقرى هو من جوهر الثّورة، وبين يسار (إسلاميّ دستوريّ بالتّبعيّة أو بالعدوى) يؤكّد مجتهدا أن لم يحن الأوان بعد للسّير قدما إلى الأمام؟

– 42 –

عمّا قريب سيطالب الإسلاميّون الدّستوريّون، الغيّورون على عقيدتهم السّمحاء، بضرورة التّنصيص في الدّستور على أنّ « الكفر » هو « الجنون » بعينه، وأنّ المصلحة العامّة تقتضي أن يزجّ بكلّ « كفّار » تونس (هؤلاء الّذين نزلوا إليها من المرّيخ الصّليبيّ الصّهيونيّ المشرك) في مستشفى المجاذيب

– 43 –

بأيّ مجهر اكتشف « الطّبيب » النّفسانيّ فيروس « الكفر » الّذي ذهب بعقل الصّبيّة ن. ن.، فأمر بناء عليه بالزّجّ بها في مستشفى الرّازي، أملا في أن يثوب إليها رشدها سريعا فتعتنق قبلة والدها السّلفيّ الّذي يضيره أن تشذّ فلذة كبده عن صراطه المستقيم؟

– 44 –

ليس ثمّة جريمة في الدّنيا، مهما بلغت من القبح والشّناعة، يمكن أن يندى لها جبين « الإسلام السّياسيّ » حياء. ولماذا يخجل من امتهن سفك الدّماء جهادا خالصا لوجه الله؟ عمّا قريب، لن يكتفي الآباء المؤمنون بزجر أبنائهم وبناتهم الكافرين والكافرات، بل إنّهم سيتولّون بأنفسهم ذبحهم من الوريد إلى الوريد جهادا واحتسابا

– 45 –

لا تأملوا أن تعقل « الإنسانيّة » في الجهاديّ غضبه وغيرته، فقد خرج هذا « الكائن » العجيب عن حدّ الإنسان، وأضحى في مقام الآلة الصّمّاء الّتي صمّمت خصّيصا للضّرب والشّدخ والقتل، ولا شيء غيرها

– 46 –

« أنا أنجبتك، إذن أنا أريد أن تكون نسخة منّي، مطابقة للأصل تمام المطابقة، كما كنت أنا نسخة مطابقة من والدي، وكما كان هو نسخة مطابقة من سلفه ». هذا هو الكوجيتو الّذي ابتدعته عبقريّة الحتميّة البيولوجيّة الإسلاميّة، فباسمها أصبح « الإسلام السّياسيّ » اليوم الدّين الدّستوريّ للبلاد التّونسيّة

– 47 –

إلى من يلجأ طالب الحريّة بضميره وعقله من جور « الإسلام الدّستوريّ » بعد أن سدّت في وجهه كلّ مؤسّسات الجمهوريّة المدنيّة، وتحوّل « الوطن » إلى معتقل مقدّس يسام فيه أبناؤه الجنون شرعا، ويسقون علقم المهدّئات في مارستانات التّطويع العقديّ؟

– 48 –

اقتصرت الإنجازات الثّوريّة للإسلام السّياسيّ على تغيير شكليّ للمقاعد تربّع هو بموجبه على عرش الجلاّد المخلوع، وأجلس جلاّده القديم قصاصا في محلّ الضّحيّة الّذي كان أقامه فيه، وقضى في المتواطئين معه من سقط المتاع بالنّفي من الإنسان

– 49 –

ليس من المهمّ أن تكون مواطنا صالحا مستقيما لأنّ الإسلام الدّستوريّ يريدك أن تكون مؤمنا وفيّا مواليا، غيّورا على راية فرقتك النّاجية، تذود عنها بمهجتك عند الحاجة. وما أحوج راية الحقّ اليوم إلى مفرقعات بشريّة تبثّ الرّعب في كلّ أوكار الانحراف والرّجس المتنكّرة في مسوح العلم والفنّ والمحافظة على التّراث، وغيرها من الموبقات النّكراء الّتي ابتدعتها الحداثة الفاجرة لتصدّ المؤمنين عن قبلة الحقّ الأبلج

– 50 –

المواطنة والدّيمقراطيّة والمساواة والتّعدّديّة واللاّئكيّة والحقوق الجماعيّة والفرديّة، وغيرها من مهاترات العلمانيّة الهاوية، هي من القيم البائدة الّتي أحالها برلمان الأصالة المتجدّدة على التّقاعد، فلن تقوم لها ريح بعد اليوم في تونس وفي غيرها من الأصقاع الّتي تسلّل فيها الإسلام السّياسيّ إلى الدّساتير فحوّلها في طرفة عين إلى حواشي لمتونه الصّحيحة المعتمدة في عهود البراءة والصّفاء والطّهر والنّقاء

– 51 –

لا غرابة أن يرفض عضوان من أعضاء المجلس البلدي بقابس التّرحم على أرواح « الطّواغيت » الّذين قتلهم « الإرهابيّون » منذ أيّام، ففي ظلّ الإسلام الدّستوري يجوز أن تلتقي الأضداد والمتناقضات وتتجاور، بل ويعمل كلّ منها على حدة بما يرضي ضميره في صلب « مؤسّسة » مّا من مؤسّسات الدّولة المسلمة أساسا، والمدنيّة استثناء

– 52 –

الدّستور عرض زائل، والدّين جوهر أزليّ، فكيف يراد للعرض أن يتّسع للجوهر؟ ولأنّ الجوهر مقدّم على العرض في كلّ الأحوال، فإنّ الإسلام الدّستوريّ يحاول اليوم بكلّ الوسائل أن يعيد الأمور إلى نصابها الطّبيعيّ

– 53 –

هل من الممكن أن يتوافق الماء مع النّار فينجبان في مخدع الوئام الجنّة الأرضيّة – أو بالأحرى السّمأرضيّة – الّتي لم تزل الإنسانيّة تحلم بها منذ أقدم الأزمان؟ إن جاز فعلا أن تتوافق النّار يوما مع الماء، فإنّه يضحي من المأمول عندئذ أن يتوافق محراب الإمام في المعبد مع منصّة الخطيب في السّاحة العامّة حرصا على سعادة رعاياهما من : المؤمنين-المواطنين

– 54 –

لن يهنأ للمحراب بال حتّى يستأصل في قطيع مؤمنيه فيروس الوطنيّة والمواطنة على حدّ السّواء

– 55 –

« أنا أو لا أحد ». أليس هذا هو بالضّبط ما أعلنه ضمنيّا أحد أقطاب « الإسلام السّياسيّ »، وأحد أفصح أقنعته المرعبة، عندما هدّد بقطع أرزاق التّونسيّين الّذين قد تحدّثهم نفوسهم الأمّارة بالسّوء ألاّ نجاة لتونس إلاّ في الفصل بين المعبد والسّاحة العامّة؟ أليس هذا هو بالضّبط ما يعنيه التّلويح بالتّصفية الجسديّة، بل وبالاستئصال والحرب الأهليّة الّتي يصدع بها أرباب المحاريب المأذونة تعريضا وتصريحا؟ أليس هذا هو بالضّبط ما لم ينفكّ غلاة المؤمنين يلقّنونه للنّاشئة في مرابع لهوها في المخيّمات والمصائف، يحشون وجدانها الغضّ بمبادئ التّمكين الّذي سيحوّل الإسلام الدّستوريّ من مجرّد بند في دستور ملتبس إلى دستور قائم بذاته؟

– 56 –

لن يكون مآل الإسلام الدّستوريّ التّونسيّ مختلفا عن مآل « ديمقراطيّة » أردوغان لأنّه من المستحيل التّوفيق بين « فنّ الممكن » و »فنّ المطلق »، أي بين السّياسة والدّين. وها قد تبيّن اليوم أنّ الإسلام الدّستوريّ لا يمكن أن يقبل بغير الخلافة المطلقة (تنعت بالرّاشدة أحيانا، على سبيل الإشهار لا غير) الّتي تحوّلت، في وجدان نجم الدّيمقراطيّة الإسلاميّة التّركيّ، إلى طموح جامح في استعادة أمجاد إمبراطوريّة أسلافه (الخليفيّة هي الأخرى، وإن لم تكن من نسل الخلافة الرّاشدة، بل انحدرت من صلب « الملك العضوض » الّذي أقامه معاوية بن أبي سفيان لنفسه ولأهل عائلته من بعده) من سلاطين آل عثمان، تلك الّتي كانت تعيش في كنف بركات بردة النّبيّ الأعظم، و »شعرات » من لحيته كانت الثّورة الإسلاميّة التّونسيّة المجيدة استقدمتها إلى ربوع نصرها المؤزّر، في زيارة تاريخيّة مشهودة، واحتفت بها غاية الاحتفاء على منابر إعلامها المأذون

فرج الحوار

يتبع