طلاسم قيس سعيد في اللفّ و الدّوران و الغمز و الهمز و الفرار من التّصريح

قيس سعيد و مجلّة الأحوال الشخصيّة

لقد كان قيس سعيد و ما يزال، بالنّسبة إليّ على الأقلّ، طلسما لا ندري ما يقبع وراء قناعه من أفكار و قناعات رغم التّصويت العريض الذّي أوصله إلى رئاسة البلاد. و لم يكن في احتفالات 13 أوت بالمرأة و مجلّة الأحوال الشّخصيّة إلاّ ممعنا في الاختفاء و الالتواء و الكناية و الغمز و اللّمز في مجلس لم يكن فيه مقاله مناسبا للمقام لا في شكله و لا في مضمونه. و الذي استخلصته بعد اللفّ و الدّوران و الغمز و الهمز و الفرار من التّصريح و التّوضيح و الإعلان

1) انتقاد للرئيس بورقيبة انتقادا طاعنا في مجلّة الأحوال الشخصيّة باعتبارها تشريعا غير دستوريّ أوّلا و تشريعا غير مناسب للمجتمع التونسيّ ثانيا. ذلك أنّ بورقيبة قد فرض مجلّة الأحوال الشخصيّة على النّاس دون أن يخضعها لمصادقة المجلس التأسيسي يومئذ. و لقيس سعيد الشهادة الثابتة على اعتراف بورقيبة بتعمّده هذا التّجاوزالذي لولاه ما كانت المجلّة لترى النّور، على الصورة التّي أرادها لها بورقيبة على الأقلّ. و الحقيقة أنّ هذه المعلومة التّاريخيّة معروفة، و أنّ تأويلها كان من قبلُ إيجابيّا دالاّ على شجاعة بورقيبة و سلامة توجّهاته الحداثيّة يومئذ. و لكنّ قيس سعيد يرى فيها اليوم تعسّفا على المجتمع التّونسيّ، و يؤكّد رئيسنا ذلك بعدم تطبيق بورقيبة نفسه، رحمه الله، لقانون مجلّة الأحوال الشّخصيّة عند طلاقه لحرمه، رحمها الله ، طلاقا يراه قيس سعيد تعسّفيا. و في ذلك استنتاج ضمنيّ بأنّ بورقيبة، وهو واضع مجلّة الأحوال الشخصيّة، لا يؤمن بفحوى المجلّة أي بمبادئها و عدالتها و أنّ بورقيبة ليس أهلا و ليس متأهّلا، مثل بقيّة أفراد المجتمع التّونسيّ، لأحكام تلك المجلّة. فكان بورقيبة و مجلّته هما المطعون فيهما يوم عيد المرأة و بحضورها و حضور أصحاب القرار السياسي. فهل فهمت نساء البلاد الدّرس الذي صفّقت له ؟؟؟

2) لقد ميّز قيس سعيد في هذا الخطاب التّاريخيّ بين العدل و المساواة. وأبطل المساواة بين المواطن و المواطنة فاعتبرها مساواة شكليّة و أقرّ العدل على شرط أن لا تتدخّل فيه السياسة. و الفرق بين العدل و المساواة فرق اصطلاحيّ و طرح فلسفيّ ليس من بلاغة الخطاب تناوله في مثل ذلك اللقاء الاحتفالي. و بدون إطالة، فإنّ قيس سعيد لا يرى أنّ المساواة شرط من شروط العدل و فرع من فروعه و أنّ إنكاره المساواة بين الجنسين هو موقف رجعيّ خطير فيه إنكار لكلّ ما أنجز منذ الاستقلال في باب التّسوية بين الجنسين في الحقوق و الواجبات و الحرّيات. و القول بالعدل دون المساواة هو القول بأنّ المرأة دون الرّجل كذلك خلقها الله العادل و كذلك خلقتها الطبيعة و كذلك تكون الأمور

3) هكذا فهمت طلاسم رئيسنا المنتخب و هكذا انقشع لي قناع من أقنعته المتكتّمة و أتمنّى أن أكون مخطئا فيما فهمت و فيما تعمّد سيّدي الرئيس إخفاءه و تزيينه. فإلى أين المصير و إلى أين المسير؟؟؟

الدكتورالهادي جطلاوي