التونسيون مدجَّنون…مَرْعوبون أم مخدَّرون؟

لم تعرف تونس الجمهورية في تاريخها أزمة كالتي تعيشها اليوم ولا التفافا على الحكم وتفردا به كما فعل ويفعل قيس سعيد ولا تفككا لأجهزة الدولة وضبابية في تسيير دواليبها كالتي نشهد منذ سنة ونصف. لا بورقيبة ولا بن علي ولا الإخوان، رغم إحكام قبضتهم على السلطة، لم يجرؤوا على تسيير البلاد والعباد بجرة قلم، حسب أهوائهم، ولم يتجاهروا بتخوين معارضيهم فكريا وسياسيا، بل حاولوا مهادنتهم و استملاتهم وحتى استدراجهم لمؤسسات الدولة. كما أنهم لم يلجموا مكونات المجتمع المدني، وإن أرفقوا صدامات بتجاوزات لا أحد ينكرها. وكذلك لم يلقوا في السجون من لا يروق لهم، دون احترام الإجراءات القانونية، ولو ظاهريا

صحيح أن لا مقارنة بين بن علي وبورقيبة، ولكن الأول على هناته وإطلاق يد عائلته للاستثراء الفاحش وعدم نجاحه في التوازنات الجهوية، حاول أن يسير على خطى بورقيبة خاصة في المحافظة على عدم انحياز تونس لأي كتلة وفي إدماجها في محيطها المتوسطي والإفريقي والعربي والدولي. كما استطاع أن يحسن من القدرة الشرائية وفي ذات الوقت من نسب النمو وإنجازاته تشهد له بذلك. لم يكن نابغة ولكنه كان رجل دولة، أحاط نفسه بكفاءات، كما كان يفعل بورقيبة، تقدمت بالمستوى المعيشي، رغم التراجع المتواصل للحريات وللديمقراطية. وإذا استطاعت تونس أن تصمد اقتصاديا لفترة وأن لا تسقط، وإن ترنحت، رغم ما أتته الترويكا والنهضة والأطراف التي لفت لفها من نهب وتفكيك لمفاصل الدولة، فبفضل ما تركه بن علي ولأن جانبا مهما من التونسيين ومن المجتمع المدني ومن الإعلام ومن السياسيين كان متيقضا يجاهر برأيه ويستنكر ما كان يراه تلاعبا بمصالح تونس التونسيين ومحاولة لتغيير نمط مجتمعهم. ولولاهم لتغير نظام البلاد وتوجهها قبل 25 جويلية. وإحقاقا للحق، فإن الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي بالذات لعبا دورا رياديا ومؤثرا لفضح ما كان يحاك في هذا الاتجاه، عبر اتفاقيات وقوانين مشبوهة بتخطيط نهضوي وبمساعدة واعية وغير واعية من معظم السياسيين وتركيباتهم. هذا الحزب هيأ لمبادرة 25 جويلية التي ابتهجت لها أغلبية التونسيين رغم عدم دستوريتها، إذ رأت فيها تخلصا من كابوس الإخوان… ويا ليتها علمت وعلمنا أن القادم أظلم

انفراد تام بالحكم، تفكيك للمؤسسات والهيئات، دستور وبرلمان جديدان على المقاس أعرضت عنهما الأغلبية الساحقة للشعب، حكومة أشبه بسكريتاىة تنفيذ، تغيير تام للنظام وللمجتمع مع إطلاق يد بعوض مهلل وتنظيمات كانت متخفية كجمعية الشيعة مع عودة حزب التحرير للواجهة وهو المنادي بتقويض الجمهورية وإقامة الخلافة، إضافة إلى الرمي بالمعارضين وبغيرهم ممن اختاروا الاستقلالية وعدم تكريس منابرهم للرئيس مع عزلة دولية وعزوف الاستثمار زادا من تقهقر تونس ومن نسبة فقرها ومن افتقادها لأدوية ولمواد أولية

حالة من التسيب والضبابية أصبحت عليها تونس، حتى صارت نائبة رئيس مجلس نواب شعبها وزيرة في مملكة هلامية تبحث عن شعب وتبتغي كراء أرض أو شراءها لتزكز فيها دولتها. بل وتقول أنها تقدمت إلى رئاسة جمهوريتنا ووزارة خارجيتنا بطلب لإقامة علاقات ديبلوماسية معنا عبر ممثل نكرة تونسي لها. أهذا ما آلت إليه تونس والتونسيون نيام. فهل دجنوا أم أرعبوا أم خدروا؟ وهل قدرنا أن تبقى عبير موسي المنبه الوحيد وصمام الأمان المنفرد حتى لا نفقد الأمل في عودة تونس إلى مسارها الطبيعي؟

بقلم صلاح القرِيشي