هل يمكن الاستفادة من الحراك الديبلوماسي؟

عاشت تونس خلال الأسبوع المنقضي على وقع حراك ديبلوماسي ساخن كما يقال حيث كانت بلادنا قبلة لزيارات مسؤولين رفيعي المستوى من بلدان شقيقة وصديقة، ووجدت دبلوماسيتنا نفسها مكرهة على إصدار جملة من المواقف المتصلة بالأحداث المتلاحقة على الساحة الدولية بحذر شديد، حصل كل هذا في ظل استمرار الأزمة المركبة الجاثمة منذ أشهر، بل منذ سنوات أنجز فيها التونسيون ملحمة غير مكتملة

ورغم اختلاف القراءات، فإن هذا الحراك الدبلوماسي بشقيه العادي والدوري وكذلك المستجد والطارىء، حرّكته الأزمة ذاتها وغذّته وألقت بظلالها على نتائجه والأمل يبقى أن يساهم الأمر في حلحلة هذه الأزمة دون تجاوز خطوط السيادة واستقلال القرار الوطني

لقد تميز الأسبوع دون شك بزيارة رئيس مجلس الوزراء في جمهورية مصر العربية لبلادنا في إطار انعقاد الدورة 17 للجنة العليا المشتركة للتعاون بين البلدين والتي أفضت إلى توقيع العديد من الاتفاقيات الرامية إلى تعزيز التعاون مستقبلا بين تونس ومصر في عديد المجالات

ورغم الطابع الدوري والتقني للزيارة ولاجتماع اللجنة العليا وضعف التسويق الديبلوماسي من الجانب التونسي، فإن البعد السياسي كان بارزا خصوصا بإعلان الرئاسة المصرية ان رئيس الجمهورية قيس سعيّد أكد خلال لقاء جمعه الجمعة 13 ماي 2022 بقصر قرطاج برئيس مجلس الوزراء المصري أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى  : اختصر المسافة في الزمن واختصر المسافة في التاريخ وأنقذ مصر في مرحلة تاريخية صعبة مرت بها ثم أطلق نهضة عمرانية وتنموية رآها هو بنفسه خلال زيارته مصر

وكشف بلاغ صادر بالصفحة الرسمية للرئاسة المصرية على موقع الفايسبوك أن رئيسنا عبر عن «اعتزازه بالعلاقات التاريخية مع مصر التى دوماً ما وقفت إلى جانب تونس» وأن موقف مصر في ملف سد النهضة المتنازع عليه مع اثيوبيا هو موقف تونس دون أن ننسى دعم الرئيس المصري من جانبه وبشكل كامل لـ : كل ما تقوم به القيادة التونسية فى هذا الظرف التاريخي لإصلاح المسار السياسي والدستوري

أما الزيارة الثانية والتي لا تقل أهمية فهي التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكية بالإنابة المكلفة بشؤون الشرق الأدنى في الفترة من 12 إلى 14 ماي الجاري للالتقاء بكبار المسؤولين الحكوميين وممثلي المجتمع المدني لـ«التأكيد على التزام الولايات المتحدة بدعم الشعب التونسي والحاجة إلى عملية إصلاح سياسي واقتصادي شفافة تشمل الجميع وتمثل مختلف الأطياف التونسية» حسب ما جاء في الصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية ببلادنا

وكما هو معلوم، فهي ليست الزيارة الأولى ولن تكون بالتأكيد الأخيرة، وفي انتظار ما سيصدر عن الجانب الأمريكي، أعلنت رئاسة الحكومة أمس السبت ان نجلاء بودن قدمت خلال استقبالها مساء الجمعة للضيفة الأمريكية لمحة عن مدى التقدم في المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولي و«طمأنتها» بأنّ المشاورات مع الشركاء الاجتماعيين متواصلة لتقريب وجهات النظر حول الإصلاحات وضمان التوفيق بين الضرورة الملحّة للإصلاح وواجب المحافظة على القدرة الشرائية وحماية الفئات الهشة كما جاء دائما في الصفحة الرسمية للقصبة وهذه هي الطريقة التواصلية الحصرية المثلى على ما يبدو لمنظومة الحكم الحالية لإنارة الرأي العام الداخلي والخارجي 

ليس ذلك فحسب تم اطلاع المسؤولة الأمريكية من قبل وزير خارجيتنا على التقدم في تنفيذ الاستحقاقات السياسية والدستورية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية بما في ذلك صياغة الدستور والإعداد للاستفتاء الشعبي في جويلية المقبل وصولا إلى الانتخابات التشريعية في ديسمبر المقبل وفقا للآليات الديمقراطية وما تقتضي من شفافية ومقاربة تشاركية

وبطبيعة الحال ثمّنت المسؤولة الأمريكية وفق نفس المصدر «جهود الحكومة التونسيّة» واعربت عن أملها في أن يتم تجاوز هذه المرحلة الصعبة في أقرب الآجال وجدّدت التأكيد على مواصلة الجانب الأمريكي الوقوف إلى جانب تونس ودعمها لاستكمال مسار الانتقال السياسي التشاركي وإنجاح التجربة الديمقراطية

هكذا إذن كانت رسائل الخارج للداخل، وكان الداخل مجبرا على رد التحية بأجمل منها بكثير من اللباقة واللياقة والحذر والتحفظ مثلما سجلنا ذلك في الموقف الرسمي من اغتيال شهيدة الحقيقة، الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة فـ«نددنا» و«تضامنّا» دون أن ننبس ببنت كلمة عن «التطبيع» مع الكيان الصهيوني
وحتى واجب العزاء للسلطة والشعب الإماراتي في وفاة رئيس الدولة هناك، فقد اقتصر في البدء على تدوينة بالصفحة الرسمية للرئاسة قبل سفر رئيس الجمهورية فيما غاب أي اثر للموضوع في صفحة وزارة الخارجية 

في غضون ذلك، يواصل سفراء الدول الأجنبية بالخصوص صولاتهم وجولاتهم ولقاءاتهم بـ «السياسيين» في بلادنا – وهو ما نتمناه على سفرائنا في بلدانهم – ويواصل بعض أبناء وطننا للأسف الرهان على الخارج لتحريك بركة الأزمة الراكدة وتسجيل النقاط ولو على حساب هذا الوطن، ويبقى الأمل، يحدونا في الداخل والخارج للخروج من هذه الأزمة الجاثمة مهما طال أمدها وتقاطعت مصالح المتسببين فيها و مصالح المستفيدين منها

بقلم: مراد علالة