ملفّات الإرهاب ليست أقل أهمية من قضايا الفساد

نفّذ رفاق وإخوة الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي أمس الأربعاء 24 نوفمبر 2021 الوقفة الاحتجاجية الدورية عدد 441، وقفة لم يتأخر في الدعوة إليها وتأمينها على مرّ الأعوام تونسيون منتصرون للحقيقة التي لا بدّ منها، ليس فقط لإنصاف الشهيدين وإنّما لإنصاف تونس والتونسيين وتعبيد الطريق لمصالحة فعلية لا يمكن الشروع فيها أو حتى الحديث عنها ما لم تُفتح ملفات الاغتيالات السياسية والإرهاب بشتّى أنواعه وكذلك التسفير وتدليس الوثائق الرسمية وتحميل المسؤوليات فيها سياسية وجزائية

لقد تواتر الحديث في الفترة الماضية عن محاربة الفساد وهذا أمر محمود، وعبّر رئيس الجمهورية في هذا السياق وفي أكثر من مناسبة عن كونه جعل على رأس جدول أعماله هذه الحرب، وهو يرى فيها خلاص البلاد والعباد غير أن المعنيين بالتجربة التونسية في الداخل والخارج على حد سواء يدركون جيّدا أنه مثلما كانت أزمة البلاد مركّبة وشائكة إلى ابعد الحدود فإن حروب إنقاذ الوطن وتخليصه من الجوائح باختلاف تمظهراتها هي حروب مركّبة وشائكة ومتداخلة ومتوازية ولا يمكن تحقيق نتائج إيجابية بترتيبها تفاضليا تحت يافطات واهية أو أهواء شخصية أيضا

إن ما تحقّق خلال الفترة الماضية في علاقة بالحرب على الفساد يحتاج إلى تقييم موضوعي والى تنسيب ضروري خصوصا وأن المردودية ضعيفة كمّا وكيفا وفق الراصدين من جمعيات وهيئات معنية بالموضوع ومحلّ جدال علاوة على تغييب المسألة الثقافية والتوعوية لأننا ما لم نتخلص من ثقافة الفساد الذي أصبح منهجا وتربية و«وباء» منتشرا في جسد الوطن، لا سبيل لتحصين هذا الجسد ومنع إعادة إنتاج وباء الفساد

في المقابل فإن فتح ملفات الإرهاب له وقع أحجار الدومينو التي ما أن تنهار قطعة منها حتى تتهاوى بقية القطع

قبل يومين فقط، أحالت الوحدة المختصة بالبحث في الجرائم الإرهابية على النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أبحاثها المتعلقة بشبهة ارتكاب جرائم تتعلق بتدليس مضامين ولادة واستخراج بطاقات تعريف وطنية وجوازات سفر تونسية وافتعال شهادات جنسية لفائدة بعض الأجانب من جنسيات مختلفة خلال الفترة الفاصلة بين 2015 و2019 والمورطون كثر بينهم قنصل تونس بسوريا سابقا ورئيس المكتب القنصلي سابقا وموظف بقسم الحالة المدنية بتونس والمكلف بقسم الحالة المدنية التابع للبعثة الدبلوماسية بسوريا وعدد من الموظفين

وحسب مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس دائما، فقد شمل البحث التحقيقي 14 شخصا من ضمنهم 11 موظفا بوزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة العدل

هي جريمة منظمة إذن، وسقوط حجر فيها سيؤدي بالضرورة إلى سقوط بقية الحجر، والأهم من ذلك هو الوصول إلى مخترع اللعبة ومهندسها ومموّلها والرأس المدبّر لها والمستفيد منها حتى ينال كل واحد جزاءه على قاعدة تناسب الجرم مع الفعل فـ«المنفذون» هم في نهاية المطاف أدوات آدمية تم التلاعب بها ودفعها إلى حتفها ببيعها وهم الولوج إلى الجنة للمجون مع الحوريات

إن التقدم في الأبحاث في هذه القضية على سبيل المثال سيقودنا إلى تحديد المسؤوليات الجزائية لجميع من شارك في هذه الجرائم في مختلف المواقع والرتب والوظائف والمواقع الخاصة والعامة، الوظيفية والسياسية بطبيعة الحال

وعلى قاعدة القياس، فإن التقدّم في كشف حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013 والحاج محمد البراهمي يوم 25 جويلية من نفس العام، وجميع بواسلنا في المؤسستين الأمنية والعسكرية وكذلك المدنيين من التونسيين والأجانب سيسمح بإسقاط جميع الحجر ونزع الأقنعة عن وجوه من تدثّر بالسلطة أو تسلّح بالحصانة السياسية أو تخفّى برداء الشرعية الانتخابية المهترئة لتنفيذ أجندات خارجية وأحلام قروسطية

لن نتوقف عند التفاصيل والحيثيات لكن معطيات على درجة كبيرة من الحساسية والدقّة تجعلنا نقرّ بأن الحقيقة آتية لا ريب في ذلك متى تجاوزنا الخوض فقط في مسؤولية الآلة الآدمية التي أطلقت النار على شهدائنا ورمت بالسلاح في البحر، وعدنا إلى جوهر الموضوع، إلى التهاون في التعامل مع تحذير المخابرات الأمريكية مثلا من اغتيال الحاج البراهمي أو غضّ الطرف عن تحذير عميد المحامين للداخلية من التهديدات التي طالت شكري بلعيد أو «القافلة» التي انطلقت من وسط العاصمة لتغزو السفارة الأمريكية في الضاحية أو «الخروج الآمن» لأبي عياض وغيره من تونس نحو الشقيقة ليبيا ومنه الى الشقيقة سوريا بالنسبة الى كثير من الشباب

إن التعاطي مع الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية لا يمكن أن يكون بمعادلة قضية حق عام على أهميتها وخطورتها في المجتمع أو قضية سير في الطريق أو قضية أحوال شخصية، بل هي قضايا رأي عام وقضايا وطن برمته وهي قضايا شائكة ومركّبة كما أسلفنا قد تأخذ بعض الوقت لكن حلّها سيوفر كثيرا من الوقت

بقلم: مراد علالة