في الديمقراطيين تحت القنطرة وفي شارع باريس : فاقد الشيء لا يعطيه

بمناسبة الذكرى 11 لإحراق البوعزيزي نفسه خرج البعض من متعاطي الشأن السياسي للتظاهر ضدّ قرارات 25 جويلية التي ستؤدي حسبما يروّجون إلى إقامة دكتاتورية من ناحية ومن ناحية أخرى للإيهام بأنهم من دعاة الديمقراطية وقد توزّعوا فيما بين شارع باريس وتحت قنطرة شارع الجمهورية وبالتأمل في الحضور وجدت أنهم آخر من يمكن له أن يتحدث عن الديمقراطية وبيان ذلك كالتالي

1) الحزب الجمهوري الذي حمل تسميات كثيرة ومرّ بقيادته عدد لا يستهان به من منتسبي التيارات المتناقضة وصلت إلى حدود الوحدة مع حزب مؤسّسه من ذوي التبعية الفرنسية ممن وقع استيرادهم من الخارج لحكم البلاد بعد سنة 2011 قلت خرج للتظاهر مطالبا بالديمقراطية والمتأمل في مسيرة هذا الحزب يلحظ أنه مارس السمسرة السياسية منذ نشأته إلى حد الساعة باستثناء فترته الأولى أيام كان اسمه التجمع الاشتراكي التقدمي وأيام كان يصدر مجلة الموقف ملتقى للأقلام ذات الوزن بجانب قيادة متنوعة ذات حضور ثقافي وفكري ولكنه بعد ذلك تحوّل إلى السمسرة إذ فتح أبوابه لكل من هبّ ودبّ ووصل الأمر به إلى أن جعل من مقره وهياكله الحديقة الخلفية لحركة النهضة فمكتبه السياسي دخله الإخوان المسلمون وجريدته أصبحت مرتعا لهم لينشر فيها بصورة دائمة محمد الحمروني والمهدي المبروك وغيرهما بحيث فقد هذا الحزب خصوصيته الثقافية والفكرية كتعبيرة يسارية ليصبح أداة تكتفي بإصدار البيانات أو نيابة حركة النهضة في خصومتها للحكم أما جريدته فقد أصبحت ورقة فاقدة لأي نكهة وبقي الحزب على هذه الحالة إلى سنة 2011 حيث عاد في خضم الفوضى التي انتشرت ويتمكن من الحصول على مقاعد في الهيئة طويلة الذيل وفيما سُمي المجلس التأسيسي وعلى مقعد يتيم في حكومة الغنوشي ورضي لنفسه بموقع التابع ففي الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 سعى مرشحه إلى الحصول على وعد من حركة النهضة بمساندته رغم أن له سابقة الفضل عليهم ولكنهم رفضوا ذلك، اليوم يخرج ما تبقى منه في التلافيز وفي غيرها من وسائل الإعلام مدعيا أنه يدافع عن الديمقراطية والحال أنه بعد أن انقلب على تسميته الأصلية التي هي التجمع إلى تسمية حزب المستهجنة من كثرة استعمالها في غير موقعها انحرف تماما وفقد أي مصداقية لدى قسم كبير من النخبة ولم تعد ادعاءاته بالدفاع عن الديمقراطية إلا دفاعا عن حركة النهضة أبرز مظاهرها مساندة هذه الأخيرة في خصومتها للحكم دون التورط في عداوة صريحة مع النظام، ولعلّ أبرز مظاهر هذه التبعية تظهر في إضراب الجوع وفي فضيحة 18 أكتوبر حيث تم تسويق حركة النهضة كفصيل ديمقراطي رغم أنها لا تؤمن بها ولا تستعملها إلا من باب التقية وهو ما يجعلني متيقنا أن هذا الحزب لا علاقة له بالديمقراطية وما خروجه هذه الأيام إلا لنفض الغبار عن اسمه والتذكير بوجوده لأن الديمقراطية تقتضي أن يكون الحزب أو المرء صاحب موقف يذكره له الناس ويصدقونه به

2) حزب التكتل وهو الآخر حزب منسل من حزب آخر منسل هو الآخر من الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم وإن كانت الخلافات المعلنة للمنسلين في درجتيهما تتعلق بالديمقراطية داخل الحزب الاشتراكي الدستوري فإننا بمتابعتهما نلحظ أنهما لم يكونا وفيين لما ادعيا انشقاقهما بسببه بل كان السبب الفعلي عائلي جهوي وهو أحد إفرازات الخصومة التاريخية أيام الزعيم بورقيبة بين البلدية والسواحلية فلو عدنا إلى التكتل لوجدنا أن مؤسّسه مصطفى بن جعفر الذي كان رئيس شعبة واشتغل إلى أن بلغ التقاعد في مؤسّسة استشفائية عمومية كان على صلة وثيقة بالنظام السابق بحيث لم يتأخر عن الاستجابة لأي طلب من طلباته كطرد أحد المؤسسين والانسحاب من هيئة 18 أكتوبر وغير ذلك وفي المؤتمر الأوّل لحزبه المنعقد سنة 2009 تحصل حسبما بلغنا على 50 ألف دينار منحة رئاسية كما حضر فوزي العوام الأمين القار مندوبا عن التجمع وألقى كلمة في المؤتمرين، بعد سنة 2011 لم يتأخر مصطفى كعادته عن الاصطفاف مع الرابح فاختار التبعية لحركة النهضة التي مكنته من رئاسة المجلس التأسيسي مع بعض المقاعد في الحكومة مقابل تمكين منتسبي الحركة من التعويضات التي أدت إلى إفلاس مالية الدولة وقد قام بالمهمة على أكمل وجوه وزراء التكتل بعد استقالة حسين الديماسي، اليوم يخرج علينا من كانوا سببا في ما آلت إليه الأوضاع من هوان بالادعاء أنهم ديمقراطيون وأنهم قادمون لإصلاح ما أفسد الاستبداد والحال أنهم مورطون مع النهضة لأنهم شركاؤها في كل ما صنعت

3) حزب التيار المنسل من حزب المؤتمر شارك في الحكم منذ سنة 2011 وحاول الالتفاف على رئيس الدولة بادعائه مقاومة الفساد وبتقديمه نصائح مسمومة كدعوة الجيش إلى الانقلاب وغيره من ساقط القول كل ذلك للحصول على شيء من كعكة الحكم ولكن الرئيس لفظهم وفضحهم في خطاب شهير، هذه المجموعة التي لن يذكر لها التاريخ سوى قول زعيمتها « ما أحلى ضحكتك سيدي الشيخ » تخرج اليوم مع باقي الشلة مدعية أنها تدافع عن الديمقراطية والحال أن الديمقراطية تستلزم أولا وقبل كل شيء الشفافية في التصرف المالي وهو ما يفتقده زعيمها الذي ادعى أن دفتر الحسابات المالية لانتخابات حزبه الأوّل سُرق

4) نأتي الآن إلى الأفراد الذين يدعون الاستقلالية والحال أنهم يقومون بأسوأ الأدوار يكفي أن أذكر أحدهم وهو الحبيب بوعجيلة الذي يتقدم هؤلاء الذين باتوا ليلة في العراء فشاهت وجوههم وسارعوا إلى فضّ اعتصامهم قلت بوعجيلة هذا وحسبما ورد في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة وهي هيئة لا يمكن إلا أن أصدقها في حقه قالت بأنه كُلف من قبل محمد الغرياني الأمين العام للتجمع بإحداث انشقاق داخل الحزب الديمقراطي التقدمي وقد قام بالمهمّة على أتم الوجوه صحبة آخرين، فمن رضي لنفسه أن يكون مخبرا ومندسا لتفجير حزب ائتمنه على أسراره ووثائقه هل يمكن أن نأتمنه حتى على كشك سجائر؟

هؤلاء وأولائك هم دعاة الديمقراطية والمدافعون عنها في هذا الزمن الرديء الذين يصحّ في وصفهم المثل العامي البليغ: فاقد الشيء لا يعطيه

بقلم أنس الشابي