رَبَطَ بين ليلة القدر وعيد الفطر وقفز عن عيد الشغل.. الرئيس يُشهر اللاّءات ويبشّر بالمفاجآت

لم يخرج الاحتفال الشعبي والرسمي بليلة القدر مساء الأربعاء 27 أفريل 2022 عن المألوف حيث نجح طيف واسع من التونسيين في إعداد وجبتهم التقليدية من «الكسكسي» بما تيسّر من الإمكانيات ومارسوا مع ذلك شعائرهم المعهودة وتبادلوا التهاني والدعاء فيما انتشر عدد من الوزراء هنا وهناك للإشراف على فعاليات بالمناسبة، وكذلك فعل رئيس الجمهورية الذي اختار بدل الذهاب إلى أحد دور العبادة كما جرت العادة، إقامة مأدبة إفطار لعائلات شهداء وجرحى العمليات الإرهابية من القوات المسلحة العسكرية والأمنية وعدد من عائلات شهداء الثورة وجرحاها حسب ما جاء في الصفحة الرسمية للرئاسة

وطبيعي أن يتحدث الرئيس في مثل هذه المناسبات أمام ضيوفه ويوجه خطابه كعادته للداخل والخارج، خطاب لم يخل كالعادة وربما بشكل أكبر هذه المرة من الجديد و«غير التقليدي» كما يقول سيادته

وقد كان الرئيس وفيّا لأسلوبه في الخطابة شكلا ومضمونا، فهو فضل عدم تخصيص منصة للحديث وأمسك ميكروفونا تقليديا بيده بقوة بدل آخر لا سلكي أو لا مرئي، وكان المحتوى مشحونا بالعاطفة وبالمعاني الإيمانية والدينية ولم يتأخر حتى في الدعاء والابتهال وبشرنا في المحصّلة بمفاجأة تتزامن مع عيد الفطر واستعار في التعبير عنها ببيت شعري لأبي الطيب المتنبي لكنه خالفه في القول بأن كان صارما في التأكيد على أن هذا العيد سيعود بالجديد

واللافت في تقديرنا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد التزم بالرزنامة الدينية وربط بشكل وثيق ومشوّق صراحة بين ليلة القدر وعيد الفطر لكنه قفز في المقابل عن عيد الشغل 1 ماي الذي قد يجعله هلال العيد متزامنا أو سابقا له بيوم

والقفز قد لا يكون عفويا، وقد يكون أيضا عفويا لأن الرئيس كان بصدد توجيه خطاب سياسي بامتياز وضمّنه أفكارا ورسائل سياسية بالجملة دون أن ينبس ببنت كلمة حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد وتكابد تداعياته فئات كثيرة من الشعب الذي أظهرت استطلاعات الرأي أن التشاؤم يسيطر عليه وأن البلاد تسير في الطريق الخطإ وهم غير راضين عن ذلك حتى وهم يصوّتون لسيادته كما تزعم هذه الاستطلاعات

وفي غياب الحديث عن الاقتصاد صبّ الرئيس جام غضبه على خصومه وخصوصا من دأب منهم على الاستقواء بالخارج والعمل على الاستفادة من الضغوط التي يمارسها الأشقاء والأصدقاء على بلادنا لتسجيل النقاط وهنا قال قيس سعيد أن «تونس ليست للبيع وليست أرضا دون سيد للكراء والتسويغ لأن السيد فيها هو الشعب في ظل سيادة القانون» مضيفا أن «الشعب هو من يقرر ولا احد يقرر مكانه»، وهذه العبارات الجميلة تفيد في قراءة قانونية دستورية معينة أن البلاد لها سيّد حائز على الشرعية والمشروعية من الشعب فيسود بذلك القانون 

وفي نفس السياق المعهود في الفصل بينه وبين خصومه الذين اقترح في خطاب سابق أن يبقوا خارج البلاد، كرّر الموقف بأكثر وضوح وقال لهم : من اختار العمالة وقد اختارها منذ عقود ومن اختار أن يسقط الدولة واختار التنظم داخلها بكل الطرق فلا هو منا ولا نحن منه

وكالعادة، وفي حضرة عائلات شهداء وجرحى العمليات الإرهابية من القوات المسلحة العسكرية والأمنية وعدد من عائلات شهداء الثورة وجرحاها، دعا رئيس الجمهورية «القضاة الشرفاء لتحمل مسؤولياتهم التاريخية في إنفاذ القانون على الجميع دون استثناء». وحثّهم على «الإسراع في المحاسبة ولهم من النصوص ما يكفيهم للقيام بوظيفتهم حتى تعود اموال الشعب للشعب» مذكّرا إياهم بأنه : مطلب شعبي مشروع وحق بكل المقاييس

هذا وعاد الرئيس إلى أجواء نكسة العرب عام 1967 دون أن يذكر هذه المرّة القضية الفلسطينية ـ بما أنه تحدث عنها في خطاب سابق الأسبوع الماضي أو ربما درءا للتعليق على مشاركة وزير دفاع الجمهورية التونسية في اجتماع لحلف شمال الأطلسي بحضور وزير الحرب في الكيان الصهيوني ـ عاد إذن إلى أجواء الصراع والمقاومة ورفع لاءات ثلاثة في وجه الخصوم : لا حوار ولا اعتراف ولا صلح إلا مع الوطنيين ولا مفاوضات مع من لفظهم التاريخ

وكما هو معلوم فقد رُفعت لاءات ثلاثة: «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه» في قمة الخرطوم لجامعة الدول العربية يوم 29 أوت 1967 مباشرة بعد هزيمة جوان التي تعرف بالنكسة، وبالتالي فإن الاستعارة في حد ذاتها ليست موفقة سياسيا كثيرا ليس لارتباطها بالنكسة فقط ولكن لأننا ما نزال بعد نصف قرن في نفس المحطة بل تراجعنا محطات كثيرة أخطرها محطات التطبيع

وطبيعي في المقابل أن يعود الرئيس قيس سعيد إلى موقفه الأصلي من الحوار الذي لا اثر له في خارطة طريقه واضطر لاستعمال العبارة تحت ضغط عال داخلي وخاصة خارجي لكنه اليوم يبدو مصرّا على طرح خيار واحد أمام الجميع وهو الانخراط في مشروعه وفي محطاته القادمة أي الاستفتاء والانتخابات التشريعية كما اتفق ودون الاكتراث بمسألة عزوف 95 بالمائة من التونسيين عن المشاركة في الاستشارة

ولم يفوّت ساكن قرطاج الفرصة للتعليق على «القلق» الذي عبر عنه بعض «الأصدقاء» دون تسميتهم – الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي – وخيّر في المقابل طمأنتهم بأنه : تم توفير كل الضمانات بالنسبة للاستفتاء وبالنسبة للمحطات الانتخابية ومع ذلك يعبرون عن انزعاجهم ما دخلهم أصلا؟

سؤال وجيه سنتلقى بالتأكيد نصف إجابته مع العيد، عيد الفطر بطبيعة الحال وليس عيد الشغل، ونصفه الثاني بعد ذلك بقليل وفي غضون ذلك حفظ الله تونس

بقلم: مراد علالة