تصنف بعض الدول الأروبية مثل أنقلترا وفرنسا جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات « الإسلاموية » التي لم تتورط في أنشطة إرهابية على التراب الأروبي. على خلاف الجماعات الجهادية التي ظلت لعقود تصنفها ضمن الحركات الإرهابية لأنها تتجرأ على عظ اليد التي مدت إليها بالمساعدة عندما تلجأ أحيانا إلى تنفيذ عمليات تصنفها أروبا إرهابية عندما تقع على ترابها بينما تحجم عن تصنيفها على هذا النحو وتكتفي بتوصيفها بحسب البلاد التي وقعت فيها ونوعية العلاقات الأروبية بتلك البلاد. وعلى هذا الأساس ظلت فرنسا وبريطانيا على مدى عقود توفران لجماعات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، الملاذات الآمنة حيث تمارس أنشطتها في التخطيط لمشاريعها الهادفة إلى الاستيلاء على السلطة في بلدانها وفي جمع المستلزمات المادية واللوجستية لذلك وفي بث سموم أفكارها المتطرفة والدموية عبر ما توفره لها من وسائل الاتصال والنشر والتجييش الإعلامي ضد بلدانها وحكوماتها، وقد يصل الأمر أحيانا إلى حدّ أن تشمل هذه الملاذات جماعات الإسلام الجهادي طالما أنها لا تمارس جهادها على التراب الأروبي. ومن يدرك أن أروبا ذات التاريخ الاستعماري القريب لم تتخلّص بعد من تطلعاتها الاستعمارية ولا من سلوك الهيمنة الذي وسم علاقاتها بالعالم الإسلامي ولا عن السياسات التي تمكنها من تحقيق مطامعها في ثروات تلك البلدان ومقدراتها، يعرف أن أروبا لن تتخلّى عن أي طرف تتصوّر أنه يمكن أن يمثل بالنسبة إليها فرصة أو وسيلة للإبقاء على سلطتها المتحكمة في البلدان التي مازالت تعتبرها مجالا حيويا لها ولمصالحها. لذلك فهي تحتضن ، باسم مساندة المعارضة المقموعة والدفاع عن حقها في أن يكون لها رأي سياسي معارض للحكومات والأنظمة القائمة، وتحت غطاء مساندتها لإرساء أنظمة ديموقراطية، تقدم كل أصناف المساعدات المادية والسياسية لهؤلاء وتسمح لهم بتنظيم أنشطتهم على التراب الأروبي بكل أريحية
ولا تتساءل الحكومات الأروبية حول أخلاقية هذا الاختيار ولا حول مشروعيته من وجهة نظر الشعوب الإسلامية التي ما انفكت تكتوي بنيران التطرف الديني والإيديولوجيات الإسلاموية ، ولا تبدي أي اهتمام بمسؤوليتها إزاء هذه المعاناة مادام تقييمها لهذه الجماعات يغلّب المصالح التي تجنيها من ورائها على ما تسببه لبلدانها من كوارث ولا حتى على ما يمكن أن تسببه من إشكاليات في داخل المجال الأروبي نفسه كإشكاليات التماسك الاجتماعي واندماج الجاليات المسلمة داخل المجتمعات الأروبية أو من تهديدات إرهابية محتملة على المدى البعيد والمتوسط. قد نتساءل نحن، من وراء البحار، عن مدى قدرة الأروبيين على احتمال هذه المفارقات التي تقوم عليها سياستهم إزاء الجماعات الإسلاموية الناشطة عندهم والمسموح لها بالنشاط ، فكيف تقبل دول لائكية على نفسها تدعيم جماعات تعلن انتماءها الصريح إلى أكثر الصيغ الدينية تطرفا وانغلاقا بقدر ما تعلن عداءها للنظام اللائكي العلماني « الكافر »؟ وكيف يحتمل المثقف الأروبي أن تعلن دولته العمل على دعم الديموقراطية في البلدان التي تصنف أنظمتها معادية لها بينما هي تخفي مخططات المساندة والدعم لأشد الجماعات عداء للديموقراطية وأكثرها تشبثا بنظام تيوقراطي متخلف؟ قد يقال إن مبرر هذه المفارقة قائم في عدم معرفة القائمين على هذه السياسة بحقيقة المشروع الإسلاموي ولا بما يمكن أن يكون له من انعكاسات على العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي فضلا عن المعرفة لمحدودة بالإسلاموية عموما وبمشروعها ولاحتى بالإسلام وما فيه من فوارق مذهبية. وبالرغم من هيمنة تيارات الإسلام السياسي لاسيما تنظيم الإخوان المسلمين على المؤسسات الفكرية الإسلامية والمنظمات الخيرية وعلى وسائل الإعلام في العديد من الدول الأوروبية خاصة دول غرب أوروبا فإنها لم تتنبه إلى خطرها إلا بعد أن تعرضت إلى عمليات إرهابية، وحتى بعد ذلك مازالت بعض الدول مترددة بشأن كيفية التعامل مع هذه الجماعة وبعضها فضل السماح لها بمواصلة نشاطها بدعوى أنها قادرة على صدّ التيارات الأخرى الجهادية الأكثر تطرفا، وهي دعوى مشكوك في مصداقيتها وقد يكون وراءها دافع غير معلن يتمثل في استخدام هذه الجماعة لتنفيذ سياساتها في البلدان الأصلية لهذه الجماعات التي استفادت طويلا من هذه السياسات لتدعيم مخططاتها الرامية إلى الاستيلاء على السلطة ، لذلك لا نستغرب اليوم أن يلجأ إخوان تونس إلى توظيف شركات الدعم والمساندة الغربية للتجييش ضد أي مشروع يستهدف انفرادهم بالسلطة، بصرف النظر عن طبيعة هذا المشروع وعن غاياته ودوافعه الحقيقية، كما لا نستغرب لجوء التنظيم العالمي للإخوان وداعميه من الأنظمة الإقليمية وأدواته من مدعي الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان إلى الأسلوب نفسه في التعامل مع ما يحدث في تونس بعد عقد كامل من الانهيارات التي سببها حكم ذراعهم هناك
لا شك أن مراكز دراسات ومكافحة الإرهاب الأروبية باتت في السنوات الأخيرة أكثر فأكثر وعيا بمخاطر هذه الجماعة مما دفع بلدانا مثل فرنسا وألمانيا والنمسا وغيرها خلال السنتين الأخيرتين إلى تشكيل لجان مختصة بوضع دراسات وبتقديم توصيات حول كيفية التعامل مع تيارات الإسلام السياسي وبرامج تدريبية تهدف إلى التصدي لتغلغل الأفكار المتطرّفة في صفوف المهاجرين المسلمين، لذلك نقول لهم « توقفوا عن تربية الأفاعي في جحوركم » لأن سمومها التي أردتم استخدامها لضمان مصالحكم في بلدان مازلتم تعتبرونها مجالا حيويا لمصالحكم لم تلبث أن طالتكم ، فالوقت قد حان لوضع استراتيجية تتجاوز المقاربة الأمنية المحدودة بحدودكم إلى مقاربة تشاركية وشمولية تشمل المقاربة الفكرية لوضع حد للتطرف العنيف الذي يتغذى من السياسات القائمة على الهيمنة والتدخل في شؤون البلدان الداخلية وعلى التعدّي على حقّ الشعوب في تقرير مصيرها بإرادتها الحرة
بقلم زهية جويرو