انّ فشل حكم الإخوان وتوابعهم ظاهر للعيان ويشهد عليه كل المختصين وحتى العامة من التونسيين المكتوين بنتائج حكمهم من تفقير وبطالة ومرض وانعدام امن وفساد بأنواعه ومحسوبيّة واغراق البلاد في الديون وفقدان مكانتها الدولية،وما التراجع المستمر للمصوّتين لجماعة النهضة او للنّاوين التصويت لها الا تأكيدا على هذا التدحرح المستمر لمكانة حزب الاخوان وتآكل رصيدهم ،لكن لا شيء ضامن أن لا يعودوا مجددا هم ومشتقاتهم ليحكموا البلاد في انتخابات قادمة في موعدها او سابقة لأوانها
الشرط الأول و الأهم لإنقاذ تونس من منظومة حكم الإخوان والفساد هواتحاد القوى الوطنية والتقدمية في جبهة انتخابية عريضة شعارها انقاذ تونس وارساء الجمهورية المدنية (دون اسلام سياسي) الديمقراطية والاجتماعية التي تضمن الحد الادنى من التضامن الاجتماعي والعدالة في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وجهاته وتعيد البلاد الى مسار الانتاج والانضباط والمسؤولية. هذه الجبهة تفترض تضحيات من اطراف القوى التقدمية و الوطنية الفاعلة والواعية حقا بانّ وطنها هو اولى من فرض الذات وتحقيق المنافع الخاصة والتخلي عن هذا التشرذم الحزبي الذي لا يدل الا على امراض نفسية لأصحابها وانتفاخ خطير لشخصياتهم
كذلك الوعي من كل الأطراف الوطنية والتقدمية بانّ التنازلات هي ضرورية لبلوغ الأهداف من ذلك مثلا يتوجب على الحزب الحر الدستوري الذي تضعه نسب سبر الأراء في صدارة من ينوي التونسيون انتخابهم، يتوجب عليه الوعي بانّ اكثر من 70 بالمئة من التونسيين لم يحسموا اختياراتهم بعد وهؤلاء يمكن ان يصطفوا الى جانب هذا الحزب الصاعد لو قام بنقد صريح ومسؤول لتجربة حكم بورقيبة وبن علي واعترف بانّ تعديات كثيرة على الحريات وعلى كرامة المعارضين وفسادا واسعا جدا فعلا وخاصة ان يعلن ان صفحة الاستبداد قد طويت و انه ملتزم بضمان الحريات الخاصة والعامة والدفاع عن مكتسبات التونسيين الاجتماعية والاقتصادية
لا شيء سيضر من مكانة الحزب الدستوري الحر كذلك ان اقرّ ان ما جد بين ديسمبر 2010 و جانفي 2011 ليس كله مؤامرة خارجية (وان كانت حقا موجودة) بل كذلك هو تعبير تلقائي وحقيقي عن تمرد شمل جل الفئات ضد نظام ترهلت صورته للقبضة الاستبدادية والفساد الذي اعترف بن علي نفسه بوجوده قبل سقوطه
اعتراف مثل هذا لا يقلل من ميزان الحزب الدستوري الذي هو ايجابي في مجمله ثم انّه موقف شجاع سيفند تهمة معادي الحزب الدستوري وخصومه التي يرمونها به من انه « عودة للنظام القديم » وحتى أنّه « الثورة المضادة » ويعطي الحزب من جهة أخرى، وهذا الأهم ،الفرصة لنسبة واسعة من التونسيين مسيّسين وغير مسيّسين من ان ينخرطوا في مسار انقاذ حقيقي تتزعمه حاليا عبير موسي منضمين الى حزبها او متحالفين معه في جبهة وطنية تقدمية
الأطراف اليسارية هي ايضا، لو انها تطمح فعلا في البقاء والوجود وفي التأثير في الواقع عليها ان تعي ان تونس حاليا ليست ناضجة موضوعيا لا للاشتراكية ولا لقلب النمط الاقتصادي الليبرالي برمته ،و ان الواقعية السياسية تفترض تحديد طبيعة التناقضات القائمة و تسبيق الأهم على المهم وان انقاذ تونس من حكم الاخوان وتوابعهم هو الأولوية المطلقة وفي مرحلة لاحقة يكون التنافس بين قوى سياسية يجمعها الإيمان بالوطن وبالديمقراطية والدولة المدنية ، لأنّ عدم تحقيق هذا الانتقال بتونس وقلب صفحة حكم الإخوان وانقاذها سيكون وبالا على الجميع وفي اوّلهم وبالخصوص على اليساريين لأنّ جماعات الاسلام السياسي يعرفون انّ اعداءهم العقائديين والدائمين هم حاملوا الفكر التقدمي والعقلانيّة والتنوير والمساواة و العدالة الاجتماعية، وحتى ان كانوا ليسوا لوحدهم
. هذا في ظننا سبيل انقاذ تونس واعطاء الأمل لأهلها
الأستاذ عميره عليّه الصغيّر