أفسدها الدهر والرهان عليها كبير.. أيّ عقار نافع لإصلاح هيئة الانتخابات؟

يتزايد الاهتمام والحديث عن الانتخابات كل يوم رغم ما في المشهدية التونسية من غموض بل وقتامة واستحالة للرؤيا في ظل صمود الأزمة المركّبة الجاثمة على البلاد والعباد وتواصل «ارتعاش الأيادي» ووهن القوى المدنية والسياسية الوطنية المتشبّعة بقيم الجمهورية والروح المدنية للدولة

وإذا ما نظرنا إلى الانتخابات أو إلى أي عملية استفتاء من الزاوية التقنية، فليس عسيرا على المكلفين بإنجازها فعل ذلك اليوم كما اتفق، على مقاس «الأعراس» الانتخابية السابقة في 2011 و2014 و2018 و2019، ألم يهنئ البعض بعضهم بهذه «الأعراس»؟

وليس غريبا اليوم في هذا السياق، أن يتمسك رئيس الجمهورية بخارطة طريقه وتحديدا جدولها الزمني وأول محطاته استفتاء 25 جويلية القادم وبعده الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر هذا العام وهو ما شدّد عليه في مداخلته في افتتاح المجلس الوزاري الأخير حين استهجن حديث «البعض» عن صعوبة إجراء انتخابات هذا العام

الطريف واللافت في الأمر أن مرسوم المالية لسنة 2022 المصادق عليه في ديسمبر الماضي، لم يتضمن الاعتمادات الضرورية لإجراء الاستفتاء والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها واكتفى بالنفقات الاعتيادية للهيئة !

في نفس الاتجاه تقريبا تشدد أغلب الأحزاب على جاهزيتها لأي استحقاق انتخابي على غرار الحزب الدستوري الحر الذي دعت رئيسته الأحد في صفاقس إلى الإسراع بحل البرلمان و: إجراء انتخابات تشريعية ديمقراطية ونزيهة تفضي إلى مؤسسات دستورية لها شرعية التفاوض باسم الشعب التونسي

كذلك الأمر بالنسبة إلى أغلب الأحزاب وحتى منظمات في المجتمع المدني وشخصيات وطنية «مستقلة» غير أن جميع هؤلاء يستدركون مثلهم مثل القائمين على المؤسسة المكلفة بالسهر على الانتخابات ويطرحون بحدّة إصلاح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تمثّل بالنسبة إليهم السبب الرئيسي في ضرب نزاهة وشفافية وحرية العملية الانتخابية والتجربة الديمقراطية برمتها

وحسنا فعل نائب رئيس الهيئة فاروق بوعسكر بالتصريح لوكالة الأنباء الرسمية مساء الأحد بـ : أن الهيئة قد تحتاج إلى إصلاح قبل إشرافها على المواعيد الانتخابية القادمة والمتمثلة أساسا في الاستفتاء في 25 جويلية 2022 والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 17 ديسمبر 2022

وتكمن أهمية تصريح المسؤول بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات – رغم الـ«قد» ـ أولا في الجرأة في الإصداح بالموقف ووضع شرط الإصلاح كمقدمة للاستحقاقات الانتخابية القادمة العاجلة، وثانيا في بيان جانب على الأقل من أوجه الإصلاح الضرورية التي اختزلها ربما بحكم التخصص وبحكم واجب التحفظ في الجوانب القانونية أساسا والحال أن متطلبّات أخرى بما فيها بعض الجوانب القانونية الإضافية الضرورية لتنقية المناخ العام وإصلاح المؤسسة المكلفة بالانجاز

والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نكتشف بين الفينة والأخرى حجم «الفساد» و«الإفساد» في «الأعراس» الانتخابية السابقة هو حول المدخل السليم للإصلاح وأي عقار نافع لإصلاح هيئة الانتخابات القائمة بالذات وإن لم يكن تعويضها جذريا من بين أقوم المسالك للنجاة.؟

قد يقول البعض أن الأمر يتعلق بهيئة دستورية.. بالفعل، ولكن عن أي دستور نتحدث الآن ونحن في إطار «الاستبداد الدستوري» وفي حالة الاستثناء وبالتالي فإن ما حل بالمجلس الأعلى للقضاء على سبيل المثال، يعبّد الطريق في حال تفعيله على الأرض إلى تعميم الخيار وبسطه على بقية المؤسسات فلا شيء يمنع ذلك وفق الرؤية السياسية لساكن قرطاج وموازين القوى القائمة المائلة لصالحه

ولنتفق مرة أخرى أنه إذا كان الأمر يتعلق بعملية تقنية، فلا شيء سيمنع من تنفيذ أي استفتاء أو أي انتخابات بـ«الهيئة الحالية» حيث يكفي الاتفاق على المواعيد ونشر الدعوة في الرائد الرسمي والتوكل على الله لتحيين وتسجيل ما تيسّر من الناخبين واستقبال الترشحات وتوفير التجهيزات وخصوصا ذاك الحبر السحري والتنسيق مع وزارات الخارجية والتربية والداخلية والدفاع وغيرها لفتح مراكز الاقتراع وضمان وقوف الناخبين في الطوابير وتأمين عمل المراقبين والإعلاميين وإعلان النتائج الأولية لـ«العرس» في ساعة متأخرة من الليل وبعد بضعة أيام تأكيدها والانطلاق في التفكير في «العرس» الموالي

أما إذا أردنا بالفعل انتخابات حرة ونزيهة وشفافة فلا مناص، كما قال فاروق بوعسكر من الذهاب إلى تعديل القانون الأساسي لعام 2012 باعتباره سابقا للدستور ويكون كذلك على ضوء الإشكاليات التي اعترضت هيئة الانتخابات وخاصة هويتها واستقلاليتها لذلك يتوجب التفكير حسب رأيه في مراجعة عديد المسائل على غرار عدد الأعضاء واختصاصاتهم وطُرق الترشح واختيار الأعضاء وخصوصا رئيس الهيئة وغيرها من الإشكاليات

إن هذه «الإصلاحات» هي المقدمة الحتمية التي لا غنى عنها للإبقاء على الهيئة وتعهّدها بالاستحقاقات القادمة، لكن، وخلافا هنا للتصريحات «البروتوكولية» ربما، التي تؤكد على «جاهزية» الهيئة الحالية بتركيبتها وطرق عملها وإطارها القانوني فإن هذه «الهيئة» ليست جاهزة ولا مناص من مباشرة علاجها واستئصال الأوبئة التي نخرت جسدها والتي جاء تشخيصها وتوصيفها على لسان أكثر من عضو قيادي فيها إلى جانب مواقف الأحزاب وقوى المجتمع المدني المعنية بالانتخابات

ورغم أهمية علاج وإصلاح الهيئة، فإن ذلك غير كاف في تقديرنا ولا يمكن لأي مؤسسة مهما كانت درجة حرفيتها واستقلاليتها وكفاءة قيادتها أن تنجز انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في ظل تركة أقل ما يقال فيها أنها الأسوأ والأخطر في تاريخ الديمقراطيات ويكفي العودة هنا إلى أعمال محكمة المحاسبات وتقاريرها وأحكامها الابتدائية التي بدأت تصدر بعد، دون أن ننسى المناخ العام بأبعاده المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقيمية، فالأزمة مركبة ومعقّدة.. والخروج منها تعيقه للأسف بعض الإرادات

بقلم: مراد علالة