لعنة السجن وبركاته في السياسة

في كلّ العصور صنع الإستبداد ، سواء كان احتلالا خارجيا أو دكتاتورية داخلية، بنفسه وبطبيعته من يقهره ويغلبه

فالقهر والسجن الذي يتباهى به المُستبدّ لتشييد سلطته هو نفسه الذي يصنع من الضحايا رموزا وأبطالا، يراكمون في السجن القوة الاخلاقية ثم السياسية الكافية لمواجهة خصمهم والتغلّب عليه لاحقا

بل هو أيضا نوع من طقوس الطهارة. كل من يدخل السجن مظلوما بسبب مستبدّ يخرج منه شخصا جديدا بمشروعية جديدة أو بمشروعية مضاعفة عن التي كانت له قبل سجنه. فتُنْسى أخطاؤه إن وجدت ويصير موضوع تعاطف طبيعي بل وتقديس عند البعض

وعادة ما يكون المسجون ظلما هو الحاكم اللاحق وفي كثير من الأحيان، بكلّ أسف، سجّانا لسجّانه السّابق، وأحيانا ظالما له، بأسف أكبر، كمثل الظلم السابق أو أشدّ. مع استثناءات بشرية قليلة: غاندي أو نلسن ماندالا مثلا
أو استثناءات الأنبياء مثل مكرمة الرسول محمد (صلعم) عندما قال لظالمي قريش المهزومين : اذهبوا فأنتم الطلقاء

هكذا تقول كل تجارب الدنيا ومع ذلك ما زال بعض المستبدّين يعيدون نفس الأخطاء ويصنعون نفس الكارثة التي ستحلّ بهم

وبينما تخفّ وطأة جدران السّجن تدريجيا على خصوم المستبدّ، في كلّ أنحاء العالم، فإنها، أي الجدران، تعرف أنها ستضيّف بين جنباتها أقوياء اليوم الذين لم يعدلوا

إنها، أي نفس الجدران، شاهدة على نفس هذه القصة البشرية الغبية التي لا يريد الإنسان أن يتعلّم منها

أقول هذا وأنا، وقد عرفت السجن والمعتقل لأسباب سياسية وعرفت أهوالها، أجدّد تضامني غير المشروط مع كل من يسجن بسبب آراءه أو نشاطه السياسي السلمي، في بلدي وفي أي مكان من العالم

بقلم محسن مرزوق