من أين لك هذا؟

في غياب توضيح رسمي، توجد الآن روايتان لما اعتبر في صفحات التواصل الاجتماعي: (حملة ضد التونسيين بالخارج). الرواية الأولى تقول إن مصالح وزارة المالية تطالبهم بدفع ضرائب عن مداخيلهم التي حققوها في بلدان لا تربطها مع تونس اتفاقيات ازدواج ضريبي، والرواية الثانية تتحدث عن توجيه مكاتب مراقبة الأداءات سؤال: من أين لك هذا؟ لكل مهاجر سجل عقارا لدى القباضة دون سند يؤكد مصدر ثمنه

الرواية الأولى وهي موضوع استفسار كتابي أرسله أحد نواب مجلس الشعب إلى وزارة المالية، تثير الاستغراب لأن الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين مستوجبة قانونا على كل شخص طبيعي يقيم عادة بالبلاد التونسية. أما الأشخاص غير المقيمين فيخضعون للضريبة على الدخل بعنوان مداخيلهم الناشئة بها. وإذن فالعمال التونسيون بالخارج لا يقيمون في تونس وليست لهم مداخيل ناشئة فيها، فبأي منطق يمكن مطالبتهم بدفع الضريبة للدولة التونسية حتى إذا كانت الدول التي يقيمون بها لا تربطها اتفاقية ازدواج ضريبي مع تونس؟

أما الرواية الثانية فمنطلقها في الغالب مطالبة كل شخص يتقدم إلى القباضة المالية لتسجيل عقار بتقديم (تصريح بالدخل)، وتصبح هذه الوثيقة لا معنى لها عندما يتعلق الأمر بتونسي يعمل بالخارج، إذ لا يمكنه التصريح بأي دخل، طالما أن ليست له مداخيل ناشئة بالبلاد التونسية، والقباضة ذاتها هي التي توجهه في هذه الحالة إلى تقديم الورقة بيضاء، لتستنتج مكاتب مراقبة الأداءات بعد ذلك تناقضا بين تصريحه الأبيض وقيمة العقار المرتفعة وتطالبه بما يثبت مصادر أمواله؟ أليس من الممكن مثلا استثناء المواطنين التونسيين بالخارج من هذا الإجراء إذا كانت صفتهم تلك مثبتة في عقود البيع؟

وفي الحالة التي يدعى فيها التونسي المقيم بالخارج إلى الإجابة عن سؤال: من أين لك هذا؟ فإنه مطالب بتقديم إثباتات عن مصادر الأموال سواء أكانت متأتية من الخارج أو مكتسبة من الداخل، وهو إجراء قد يكون ممكنا القيام به بسهولة لو لا أن الإجراءات المعتمدة من قبل الإدارة متخلفة ولا تراعي المصلحة الفضلى للمواطن، فإشعاراتها توجه على عنوان بريدي لا يوجد به أحد غالبا، ولذا فإن كل القضايا التي خرجت إلى العلن تتحدث عن مهاجرين وجدوا أنفسهم مطالبين بدفع مبالغ مالية عالية بموجب أحكام بعد انتهاء آجال لم يسمعوا بها من قبل

سيقول لاعقو أحذية السلطة كالعادة (التونسي المقيم بالخارج لا توجد على رأسه ريشة)، وهو محظوظ بدليل مشموم الياسمين الذي يستقبل به في ميناء حلق الوادي مع وصول أول باخرة في الصيف، أما العملة الصعبة التي يرسلها فهي (واجب موش مزية)، ولمكافحة الأسطورة القائلة بأن تحويلات التونسيين بالخارج أنقذت الاقتصاد الوطني من الانهيار يتداول هؤلاء تصريحا لمحافظ البنك المركزي يؤكد فيه أن معدل هذه التحويلات أقل من المعدل العالمي

من أين لك هذا؟ سؤال كان ينبغي أن يوجه أساسا إلى أصحاب الثروات الطائلة في الداخل من المهربين وأقطاب الاقتصاد اللانظامي، قبل التونسيين بالخارج الذين قد تعوز بعضهم الفطنة أحيانا عن الاحتفاظ بوثائق تحويل الأموال أو تفقد صناديق البريد بصفة دورية لاستقبال إشعارات من إدارة تقليدية تستخدم في نظامها الرقابي أسلوب (الصيد بالكركارة) وتعتبر كل مواطن متهما إلى أن تثبت براءته! إدارة لا تعترف بوسائل الاتصال الحديثة وتستدرج المواطن استدراجا إلى المتاعب بطريقة عون الشرطة الذي يختفي وراء الشجرة لرصد مخالفات المرور، بدل الوقوف بوضوح أمام السواق للتقليل من إمكانية حدوثها

عامر بوعزة