في سياق التعاطف مع الموقوفين والمسجونين بسبب آرائهم وتصريحاتهم ومواقفهم السياسية يعمد الكثيرون إلى وضع البيض كله في سلة واحدة، فيزجون كيفما اتفق باسم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مع أسماء أخرى لا تمت إليه بصلة. يفعل الكثيرون ذلك عن حسن نية بينما يتعمد آخرون (رسكلة) صورة شيخ الحركة الإسلامية وتقديمه إلى العالم في ثوب السجين السياسي المظلوم متجاهلين أن تعاطف التونسيين مع هذا السجين أو ذاك لا يعني ضرب مرفق العدالة أو التحريض على الإفلات من العقاب
وفضلا عن وجود هيئة دولية لمناصرته أصدرت بيانا يدعو إلى إطلاق سراحه دون قيد أو شرط (هكذا!)، وإلغاء الأحكام القضائية ضده، وإعادة الاعتبار له بوصفه قامة فكرية وسياسية في تونس!! فإن الكتابة باستمرار عنه تباكيا على الديمقراطية التونسية والربيع العربي يمثل إسنادا خارجيا مهما لحركة النهضة لا يحظى بمثله أي فصيل سياسي آخر يناضل داخل حدود الدولة الوطنية
لا يبدو الأمر عفويا أو من منطلقات إنسانية كما يزعم كل من يشير إلى تقدم الغنوشي في السن في معرض الدعوة إلى إطلاق سراحه. بل هو في علاقة تفاعل مع المتغيرات الدولية والإقليمية، نقرأ في مقال بعنوان (التيارات الإسلامية وتداعيات الزلزال السوري) تساؤلات عن دور الإسلاميين في المرحلة المقبلة بعد عودة الأمل لهم بإمكانية التغيير مرّة أخرى، ويتوقع صاحب المقال أن نجاح هيئة تحرير الشام في تقديم نموذج جديد في الحكم مستوحىً من النموذج التركي قد يحفز هذا التيّار للقفز نحو مرحلة جديدة من الخطاب السياسي البراغماتي المشابه للسوريين
الخطة معروفة، إذن واستغلت سينمائيا بشكل مدهش، ففي أحد أقوى أفلام العصابات والجريمة الكاملة تعمد مجموعة من المجرمين إلى اقتحام بنك من بنوك نيويورك واحتجاز العملاء رهائن لديها، وأول ما فعله المقتحمون إرغام كل من كان موجودا في البنك على ارتداء نفس الزي الذي كانوا يرتدونه، حتى لا تميز الشرطة لاحقا بين الضحية والجلاد
إن الذين يتعمدون وضع البيض كله في سلة واحدة بصدد تنفيذ خطة سياسية تعول كثيرا على قصر نظر الجمهور وضعف ذاكرته، وتخاطب وجدانه الهش، فهم يستغلون الموقف الشعبي النبيل على طريقة (ست إن أعياك أمري فاحمليني زقفونة) لتمكين شيخ الحركة الإسلامية من عبور سراط المرحلة بسلام رغم ذنوبه الكثيرة التي قضى بها على الانتقال الديمقراطي وأفضى بنا جميعا إلى هذا النفق
بقلم عامر بوعزة