حذار.. حرائق بالجملة تهدّد الوطن

في الطبيعة نيران تلتهم الأخضر واليابس.. وفي السياسة حرب شوارع وشرعيات
حذار.. حرائق بالجملة تهدّد الوطن

 

شبّت خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من الحرائق المتزامنة بعدد من المناطق في ربوع الوطن، وكشفت جهات أمنية أنها حرائق مفتعلة، وراءها أياد إجرامية، وأن التحقيقات جارية على قدم وساق لتحديد الأسباب وتحميل المسؤوليات وإحالة المجرمين على القضاء، وفي غضون ذلك تواصلت «العمليات الإحمائية» كما يقال في الحقل الرياضي للنزول للشوارع اليوم الأحد 8 ماي 2022 لتجديد البيعة لرئيس الجمهورية قيس سعيد ويوم الأحد الموالي 15 ماي من أجل «الزّحف» نحو قصر قرطاج والتعبير عن رفض المشروع السياسي لساكنه

هكذا تبدو تونس اليوم مهدّدة بالحرائق التي تستهدف طبيعتها، حقولها وغاباتها وأسواقها وموانيها من جهة، ومن جهة ثانية الحرائق التي يأتيها أهل السياسة بتجييش الشوارع واستعراض العضلات فيها والتدافع حول شرعيات هي في نهاية المطاف مهترئة سواء كانت انتخابية تعود للعام 2019 أو صُنعت في شركات سبر الآراء أو جاءت ثمار استشارة افتراضية عزف عنها 95 بالمائة من التونسيين دون أن ننسى رهان البعض على الخارج واستباحة السيادة الوطنية، وتجاوز البعض الآخر لكل الخطوط الحمر والتعدي بالتالي على أخلاقيات العمل السياسي والوصول إلى حد هتك الأعراض وضرب هيبة الدولة في مقتل

وللأسف، لم تساهم زيارة رئيس الجمهورية إلى مقرّ وزارة الداخلية ليلة الخميس الفارط، في تقديرنا، في إخماد هذه الحرائق نهائيا بل إنها قد تسهم في إذكائها في قادم الأيام بما أن سيادته سقط مرة أخرى في فخ ردّ الفعل وحشر خصومه في الزاوية وكال لهم كل التهم وحمّلهم مسؤولية «الحرائق»، الطبيعية والسياسية على حد سواء في كلمة انفعالية كعادته

إن الزيارة والخطاب بالأساس لم يكن ضروريا فقد اجتمع المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي بوزارة الداخلية مساء الخميس بإشراف وزير الداخلية و تم تقييم الوضع الأمني العام بالبلاد والمجهودات المسجّلة في مجال مكافحة الإرهاب والنظر في الاستعدادات للمرحلة القادمة الخاصة بالموسم السياحي والزيارة السنوية الخاصة بمعبد الغريبة بجزيرة جربة وتأمين الامتحانات الوطنية للسنة الدراسية 2021 – 2022، وتأمين الملاعب الرياضية، وخصوصا تأمين المحاصيل الزراعية وحماية السدود

لكن الرئيس كان حريصا على النزول إلى شارع بورقيبة في ساعة متأخرة حرصا منه على إظهار أنه يعمل أثناء الليل وأطراف النهار ويجتمع بكوادر الداخلية ويركز في خطابه أمامهم على تحميل المعارضة المشكّلة حول النهضة والتي عقدت يوم الخميس الفارط ندوة صحفية مسؤولية الحرائق التي هي بفعل فاعل حسب قوله «يحبّون الدولة المحروقة والأرض المحروقة»، واستهجن حديثها عن حكومة خلاص وعن التضييق على الحريات واتهمها بالتواطؤ مع الخارج وبث الأخبار الزائفة وهتك الأعراض، وهنا بدا الكلام موجّها لمن هو في الداخل وفي الخارج أيضا لأننا ما نزال نعيش على وقع تسريبات مديرة الديوان الرئاسي المستقيلة المقالة

ولم يقف رئيس الجمهورية عند هذا الحدّ، بل توعّد الخصوم بوجود «دولة وقوّة مسلّحة مدنية وعسكرية قادرة على المواجهة وإحباط كل العمليات»، وكالعادة رمى بالكرة للقضاء والقضاة ودعاهم بصريح العبارة إلى : محاكمة هؤلاء.. لديكم ما يكفي لتجريمهم.. الإشاعات والمس بالأعراض.. مؤتمنون على تطبيق القانون.. لا يتخلفون عن دورهم

وسوف يكون كلام الرئيس محفّزا لأنصاره لإنجاح التحرّك الميداني اليوم الأحد وها هو الكاتب العام الوطني لما يسمى حراك 25 جويلية يدعو إلى المشاركة بكثافة في التحرك ويطالب رئيس الجمهورية بتفعيل قوانين محاسبة الفاسدين

نفس الموقف اتخذه ما يعرف بحزب «التحالف من أجل تونس» الذي دعا بدوره إلى المشاركة بكثافة في مظاهرات 8 ماي

في المقابل، تواصل رئيسة الحزب الدستوري الحر التعبئة والتحشيد لموعد 15 ماي للتعبير عن رفض : المسار المغشوش وتزييف إرادة المواطنين.. وتدمير الدولة وتفكيكها ووقوعها تحت سيطرة شخص واحد

والثابت أن «الخصوم» الذين تعرض إليهم رئيس الجمهورية بمقر الداخلية لن يتوقفوا عن تسجيل النقاط وسوف يواصلون تجميع قواهم وتطوير وتوجيه خطابهم نحو الخارج وقد ينتقلون بدورهم إلى الشارع في إطار الصراع على الوجود وإضرام الحرائق السياسية المشتعلة بدورها

ويحق لقوى سياسية ومدنية أخرى متمايزة عن هذه الأطراف – بنفس المنطق طبعا – اعتماد نفس الآليات ربما ونفس الأشكال النضالية للتعبير عن مواقفها التي تلقى تجاوبا ودفاعا عن الحق في ذلك وهو ماعبر عنه الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ذهب إلى حد القول أن خطاب قيس سعيّد بمناسبة عيد الفطر صادم والتأسيس لجمهورية جديدة عملية بتر والاتحاد لن يُشارك في أيّ جريمة لقتل الأحزاب

لقد سمحت كثير من المعطيات وأهمها على الإطلاق رباطة جأش رجال الدولة من بعض المسؤولين، وقواتنا الأمنية والعسكرية وكذلك المواطنين من الانتصار المبدئي على الحرائق الطبيعية المندلعة هنا وهناك، فتمت السيطرة على الحريق الذي اندلع بعد ظهر الخميس بواحة الحامة وإخماده، وللأسف قُدرت المساحات المتضررة بحوالي هكتارين مغروسة بقرابة 200 أصل نخيل وبأشجار أخرى مختلفة

وفي نفس يوم الخميس، شبّ حريق بمركب صيد بميناء الصيد البحري بصفاقس كان محجوزا من قبل المصالح الديوانية 

لقد افضت جهود الحماية المدنية أيضا إلى السيطرة على الحريق الهائل الذي شب يوم العيد بمصنع للفريب بالمنطقة الصناعية بولاية بن عروس وتسبب في خسائر مادية هامة

وفي نفس يوم العيد تمكنت مصالح الحماية المدنية ببنزرت من السيطرة على حريق مفاجئ جد في المحيط الخلفي للمستودع الجهوي للشركة الجهوية لنقل المسافرين بجرزونة

وفي القصرين، تسبب انفجار مصفاة داخل مصنع الإسمنت الأبيض بفريانة في إصابة 12 عاملا يوم الثلاثاء وقال الوالي هناك أن سبب الحادث غياب الصيانة وتم تطويق الحادثة

حذار.. حرائق بالجملة تهدّد الوطن..! وإذا كانت الحرائق الطبيعية مقدورا عليها كما يقال ولدينا من الخبرة والإمكانيات المتواضعة والعزائم الفولاذية الصادقة ما يكفي للسيطرة عليها وإخمادها، فإن خطر الحرائق السياسية لا يمكن التكهن بتداعياته وخصوصا بالمنتصر فيها فلا منتصر في الحرب مهما تجمّل الفائزون المنهزمون

بقلم: مراد علالة