تعيش تونس هذه الأيام على وقع إحياء الذكرى السادسة لما صار يُعرف بـ«ملحمة بن قردان»، وقد انطلقت الفعاليات جهويا منذ الأربعاء الماضي 2 مارس 2022 وتتواصل إلى يوم غد الاثنين 7 مارس بالمعتمدية الموجودة في ولاية مدنين بالجنوب التونسي دون مشاركة شعبية ورسمية وطنية واسعة ومكثفة، للأسف، ترتقي إلى مستوى المنجز والدرس المستخلص من الانتصار التاريخي الذي حقّقه الجيش والأمن والشعب، ثالوث دمّر مشروع الظلاميين المتربصّين ببلادنا والحالمين عبثا بإقامة «إمارة داعشية» للإرهابيين على أرضنا، فكان نصرا وطنيا مؤسّسا دون مبالغة أيضا لانتصارات للمشاريع الوطنية في الإقليم والعالم، مقابل انتكاسات وضربات قاسمة لفلول جماعات الإسلام السياسي وتجّار الدين ورعاتهم
وللأسف أيضا، لسنا نبالغ حين نقول، على غرار ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، فإنّ ملحمة بن قردان أيضا «مغدورة» ولا يمكن تبرير ما شهدته السنوات الماضية من تراخ في تنفيذ التعهدات ومن تهميش للمدينة وأهلها ومن إطالة لأمد محاكمة الإرهابيين
إنه حصاد هزيل بكل المقاييس بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لإجهاض «الغزوة» التي استهدفت بن قردان
وكما صار معلوما، فقد تعرّضت هذه المدينة إلى هجوم مسلح من قبل مجموعات إرهابية جدّ مسلحة قدمت من الجوار الليبي منذ 2 مارس 2016 تقريبا وحاولت السيطرة على بن قردان بغاية رفع تلك الخرقة السوداء الغريبة وإعلان قيام «الإمارة» واستمرت المواجهة إلى غاية العاشر من نفس الشهر وكانت المعركة الفاصلة بين الإرهابيين وقوات الأمن والجيش والشعب يوم 7 مارس بالتحديد
وأسفرت المواجهة الشرسة عن مقتل 36 إرهابيا واستشهاد 12 من قوات أمننا وجيشنا و7 مدنيين فضلا عن إصابة 27 شخصا بين أمنيين وعسكريين ومدنيين وإيقاف 7 إرهابيين مسلحين وارتفع بعد ذلك عدد الموقوفين والمتهمين بالضلوع في العملية الإرهابية إلى زهاء المائة، يمثلون بين الفينة والأخرى أمام القضاء دون الوصول إلى استكمال المحاكمة وكشف حقيقة هذه الجريمة الإرهابية وتحديد من دبّرها وخطط لها وموّلها ورتب تنفيذها للوصول إلى إقرار أحكام منصفة وغلق الملف
في غضون ذلك لا يمكن القفز على جملة من الحقائق المؤلمة صراحة والتي تقود إلى اعتبار ملحمة بن قردان ملحمة مغدورة
كم هو مؤلم اليوم أن تقول رئيسة جمعية أسر شهداء وجرحى ملحمة بن قردان وهي أرملة الشهيد محمود التايب بسمة الجويلي، أن الدولة لم تُقدم شيئا لأهالي المدينة، لم تقدم ولو جزءا من التشغيل أو البنية التحتية كما لم يتم التعويض للأهالي بعد ست سنوات ولم يتم البت في القضية من قبل القضاء
وفي حركة يمكن اعتبارها انتفاضة وثورة على التهميش والنسيان والإقصاء، قرّر الاتحاد المحلي للشغل ببن قردان ومكونات المجتمع المدني أن يكون يوم الاثنين 7 مارس 2022 يوم عطلة بالمدينة لرمزية هذا «اليوم الذي تحقق فيه الانتصار التاريخي على قوى الإرهاب والتطرف» حسب بيان صادر عن الاتحاد المحلي
ويبرّر النقابيون وشركاؤهم في الجهة هذا الموقف بعدم إيفاء رئاسة الحكومة للسنة الرابعة على التوالي بتفعيل قرار أعلن عنه رئيس الحكومة لدى إشرافه على الذكرى الثانية للملحمة باعتبار يوم 7 مارس يوما وطنيا للانتصار على الإرهاب وإدراجه بالرائد الرسمي
إننا على ما يبدو بعيدون عن استيعاب دروس الملحمة وعن بناء التكتيكات والاستراتيجيات الكفيلة بتثمين ما حصل والبناء عليه وإنصاف «الأبطال» و«الجهة» وتحصينها ضمن مقاربة وطنية ضد أي ردّة أو انتكاسة أو ثغرة يعود منها الخطر
ما حصل يوم 7 مارس 2016 لا يختلف عاقلان حول اعتباره ضربا في العمق للمشروع الإرهابي الذي راهن كثيرون على وضع موطئ قدم له على أرضنا انطلاقا من العمق الليبي آنذاك الذي غابت فيه الدولة ورتعت فيه المخابرات والعصابات والمرتزقة، وبانتصارنا في بن قردان خلطنا الأوراق في الداخل والخارج وفرضنا أمرا واقعا جديدا فرض على أعدائنا مراجعة حساباتهم وكان بالإمكان أو بالأحرى كان من المفروض أن تتصلّب أكثر سواعدنا ونجهز على أذيال الإرهابيين في بلادنا الذين تمكنوا للأسف من القيام بما يسميه البعض عمليات : الذئاب المنفردة
ومن هذا المنطلق بالذات، فإننا لا نزال مطالبين بتطوير إستراتيجية الحرب على الإرهاب وتوفير جميع شروط الانتصار فيها
في 7 مارس 2016، شكلنا معادلة ثلاثية للدفاع عن الوطن بين الجيش والأمن والشعب، معادلة ردع قوية وصارمة كان لزاما على منظومات الحكم المتعاقبة الحفاظ عليها واستثمارها والاستثمار فيها للمواصلة فيما بعد في الحرب على الإرهاب
في 7 مارس 2016، تفطنا أو لنقل صراحة تظاهرنا بالتفطن إلى أن لبن قردان ولجميع قرى ومدن الوطن حقوقا مهدورة في التنمية والعدالة وتكافئ الفرص وتواصل الحال على ما هو عليه إلى اليوم للأسف وأصبح مطلب أهلنا في مدينة الملحمة المغدورة مجرد اعتبار التاريخ يوما وطنيا للانتصار على الإرهاب، فهل هذا أمر عسير؟
وما زاد الطين بلة في النهاية هو طول أمد محاكمة الإرهابيين، وهذه المعضلة تلاحق قضايا الإرهاب بشكل عام والاغتيالات السياسية حيث لا يقتصر الأمر على المورطين في «غزوة» بن قردان بل يشمل أيضا المتهمين باغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي والجرائم هنا تعود إلى زمن حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة دون أن ننسى جميع الجرائم الإرهابية التي طالت بواسل مؤسستينا العسكرية والأمنية ورعاتنا ومدنيينا وحتى ضيوفنا من السياح الأجانب
بقلم: مراد علالة