تمرّ اليوم الذكرى السنوية التاسعة لاغتيال شهيد الوطن شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد وأحد أبرز مؤسسي الجبهة الشعبية يوم 6 فيفري 2013 ، زمن حكم الترويكا – غير المأسوف عليه – بقيادة تنظيم النهضة الإسلامية التي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية في الجريمة بكل المقاييس في انتظار جلاء المسؤولية الجزائية
وللأسف نحيي اليوم الذكرى بكثير من الألم والإحباط، ولكن بشيء من الأمل وبكثير من العبر التي عاش الشهيد ومات من أجلها ولذلك نقول ببساطة يكفيه فخرا شكري بلعيد أنه وحّدنا حيّا وشهيدا وأرغمنا على إحياء ذكراه الخالدة بنفس الروح الإنسانية التجميعية السامية التي تجسّدت في لحظة الجنازة المهيبة وفي كل ذكرى سنوية رغم استمرار غياب الحقيقة، حقيقة من دبّر وخطّط وموّل وتواطأ ونفّذ وتستر
وليس غريبا في 2022 أن يتواصل الفرز بين من انتصر للشهيد، وليس الشهيد شكري بلعيد فقط وإنما شهيد الجمهورية أيضا الحاج محمد البراهمي وبواسل مؤسستينا الأمنية والعسكرية ومدنيينا ورعاتنا وضيوفنا من السياح الأجانب، ومن غرس رأسه في التراب متستّرا على الجريمة ومختلقا الأساطير حولها، بل مستفزا للتونسيين ومعتديا على الذوق العام من خلال التجرؤ على الدعوة للتظاهر في يوم شكري بلعيد وسحب الدعوة بعد ذلك
يلتقي اليوم إذن أحبّة شكري وإخوته ورفاقه من التونسيين ومن أحرار العالم في لحظة مهمّة للعديد من الاعتبارات، ويمكن النظر إليها على أنها لحظة الحسم في علاقة الجميع بالحقيقة وبالتالي فإن استمرار الحال على ما هو عليه ومرور الذكرى مرور الكرام وكأنها محطة دورية نتوقّف عندها لالتقاط الصور التذكارية والمزايدة بمعرفة الشهيد أو من باب الحياء وتسجيل الحضور والنقاط فقط، هو في تقديرنا تفريط في الحقيقة وتفريط في دم شكري والبراهمي وجميع شهدائنا مقابل السماح للقتلة والمجرمين بمختلف أدوارهم بمواصلة التمتع بالإفلات من العقاب
ومن هذا المنطلق بالذات، ولئن كانت المناسبات السابقة التي أحيينا فيها الذكرى، فرصة للتأكيد المتجدّد على أن حقيقة واحدة ثابتة في غياب الحقيقة وهي أن « شكري حيّ »، فإنّ القول الفصل والمسؤول والنداء الأخير اليوم في الذكرى التاسعة بالذات هو : لا تغتالوا شكري مرة أخرى
للسادة القضاة، لقد كان شكري بلعيد ذات يوم صوتكم، ناصركم ودافع عن جمعيتكم وعن مرفق القضاء قبل وبعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، ولو قدّر للشهيد أن يبقى بيننا لكان اليوم في صدارة المدافعين عن استقلال القضاء والقضاة
للسلطة القائمة، لرئيس الجمهورية وحكومته، لسنا نبالغ حين نكرّر ما قلناه مع منظومات سابقة، بيننا وبين من يحكم تونس، دم شكري ودم شهدائنا، والوقت حان لنعرف الموقف العام والموقف السياسي والموقف العملي تحديدا من ملف الاغتيالات كملف أمن قومي لا يحتمل التأخير
لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، هي هيئة بنسائها ورجالها أكبر من أن كون مجرّد فريق دفاع عن حق مظلوم في جريمة ولو كانت جريمة غير عادية، سوف يكتب التاريخ الإنساني أن نخبة من حملة تلك العباءة السوداء نذروا أنفسهم وحياتهم لكشف حقيقة بحجم الدنيا، حقيقة فعل إرهابي تداخلت فيها المسؤوليات بين الدولة ومؤسساتها وأطراف أخرى داخلية وخارجية لم تكن تونس وثورة شعبها للأسف ضمن أولوياتها بل بالعكس كان الهدف ضرب هذه التجربة في مهدها من خلال استهداف مشروع وحلم لتونس الجديدة يقطع مع الاستبداد والتبعية في نفس الوقت ويعدّل ساعة البلاد على عقارب العصر
للصادقين الذين أنجزوا أكثر من أربع مائة وقفة دورية أسبوعية أمام وزارة الداخلية بشارع بورقيبة بالعاصمة كل أربعاء وهو اليوم الذي اغتيل فيه شكر يوم 6 فيفري 2013 ، ستقرأ الأجيال القادمة أن للوفاء والصمود عنوان تونسي تماما مثل عناوين إنسانية أخرى يظل أبرزها وأقربها حركة « أمهات ساحة ماي » في الأرجنتين التي أسستها أمهات الشباب اليساري المختفي على أيدي النظام الدكتاتوري وتواصل تحركها طوال الفترة ما بين عامي 1976 و1983 أمام قصر الرئاسة
لمن حلم وحمل مشروع شكري بلعيد ورفاقه، وإن انتكس المشروع لأسباب ذاتية وموضوعية فاستخلاص الدروس ضرورة تاريخية خصوصا وأن الاصوات ترتفع اليوم لتنادي بنفس الشعارات التي كان يرفعها شكري والمطالبة بالحرية والكرامة واستكمال مسار الثورة، بعبارة أخرى « شكري حيّ » ومشروعه حيّ وهو مشروع الحرب على الفقر وعلى « الحقرة » وعلى الإرهاب والعنف والاتجار بالدين، مشروع تونس الديمقراطية الاجتماعية
تونس جديرة بأن تعيش فوق الأرض وتحت الشمس حرّة ديمقراطية مستقلة مزدهرة.. هكذا قال شكري وهكذا أنصفته الوقائع والأيام ومن لا يرى هذه الحقيقة في غياب الحقيقة فهو لا يريد أن يرى ويفقه أن القفز ومرور الكرام على ذكرى الاغتيال هو اغتيال جديد لشكري والبراهمي وجميع شهداء الوطن
رحم الله الشهيد الحيّ، شكري بلعيد
مراد علالة