صادق مجلس النواب يوم 30 جوان على مشروع قانون إحداث مكتب لصندوق التنمية القطري بتونس. وتعود مذكّرة

زينب التوجاني
التفاهم التونسيّة القطرية لفتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس إلى 29 نوفمبر 2016. ووعد حينها أمير دولة قطر بدعم تونس بمبلغ مالي هامّ. بلورت هذه الاتفاقية في حكومة الشاهد بتاريخ 12 جوان 2019. وهذا الصندوق مؤسسة تتبع مجلس الوزراء القطري منذ2002 هدفه المعلن تطوير الاقتصادات وتنفيذ برامج التنمية والتعاون في مجالات الطاقة والتربية والتكوين العلمي والبحث العلمي والصحة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والتمكين الاقتصادي
قبل وفاته بأيام قليلة قال الباجي قايد السبسي قولة شهيرة ملمحا لسعي النهضة للتمكين الاقتصادي والفكري والسياسي: « إذا خلالك الجوّ بيضي وفرخيّ » وتوفي الرئيس الراحل يوم 25 جويلية 2019. تاركا وراءه وضعا معقدا صعبا في كل نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذلك أن تعمية الرأي العام كانت تتم على قدم وساق واختلطت الأوراق حيث صار التحيز الإيديولوجي ستارا لتغطية بعض ما يجري في أرض الواقع: فمن ينسى الخميس الأسود لصائفة 2019؟ كان الجميع ينتظر نعي الرئيس حين تناهى إلينا عمليات إرهابية متزامنة واهتز الرأي العام اهتزازا على وقع تلك الأخبار المتلاحقة المؤلمة. في تلك الأجواء الملتبسة كانت الدولة التونسية تقاوم الإرهاب وشبه الفراغ السياسي والاحتجاجات المطالبة بالتشغيل وفي أجواء خانقة وملتبسة من كل النواحي تبيع الدولة التونسية حصتها من بنك الزيتونة قي 13 /07/2019. وورد في أخبار البورصة بذلك التاريخ أن ماجدة القطرية العائدة بالملكية للشيخة موزة اشترت كل الأسهم وصار بنك الزيتونة وتأمينات الزيتونة تكافل مؤسسات قطرية مائة بالمائة
كل هذه المعطيات عادية جدا والتعاون بين قطر البلد العربي الشقيق وتونس أمر عادي ومستحب لما بين شعوبنا العربية من الروابط الوجدانية والتاريخ المشترك. ولكن المخاوف التي تتخامر إلى ذهني تتعلق بطبيعة المشروع الذي يحمله تمويل صندوق التنمية القطري وبما أن هذا الصندوق المستقل لا يبتعد في تمويله وآلياته وأصحابه عن توجهات بنك الزيتونة والتأمينات تكافل الإسلامية المنتهجة لما يسمى الاقتصاد الإسلامي فمن حقي أن أطرح هذا السؤال: هل المشروع الثقافي الذي يعد هذا الصندوق بدعمه هو نفس المشروع الثقافي الذي تقوم البنوك الإسلامية الأجنبية في تونس على تمويله ودعمه؟
وسأوضّح مثالا دقيقا مقتضبا: منذ 2019 لاحظنا فقرة دينيّة قارة بإذاعة خاصّة الأكثر سماعا في تونس تستضيف الشّيخ مورو كل رمضان بدعم من بنك إسلامي، وفي نفس الإذاعة يبث في توقيت ذروة برنامج اقتصادي في شكل ومضات يهدف أساسا إلى نشر المالية الإسلامية وهذا البرنامج تدعمه تأمينات تتبع الصيرفة الإسلامية ذاتها. وفي قناة الزيتونة للقرآن الكريم برامج تدعمها أيضا نفس المجموعة المالية. وانظروا يا سادتي إلى محتويات هذا الخطاب: إن المجموعات المالية التي تدعم المالية الإسلامية بينها شركات متعددة الجنسيات وأسهمها تشترك فيها عائلات تونسية معروفة جدا وعائلات قطرية وليس هذا المشكل، المشكل هو أي ثقافة تدعم هذه الأموال؟ هذه البورجوازية المحافظة لا تسعى إلى دعم الانفتاح الفكري والعدالة بكل معانيها كأن نثمن المساواة أو حقوق النساء. ولكن هذه البورجوازية تدعم ما يسميه الشيخ مورو » المشروع الإسلامي » . ويمكنكم التأكد من هذا الربط من خلال تتبع نشاط الشيخ مورو الدعوي في الإذاعات الخاصة وفي القنوات الخاصة وفي الجامعات الخاصة وفي المنابر التي تموّلها جمعيّات تحمل صفة « مدنيّة » وهي على علاقة بالتمويل القطري والتركي والتونسي بل هي على علاقة بقوى مالية هائلة لا جنسية لها ولكن لها مشروع يحمل مسمى « إسلامي » يخفي مصالح مالية مرعبة ستزيد تفريق النساء والرجال وستزيد آلام الفقراء وستزيد تحجيب البنات وستزيد قهر الطبقة المهمشة عبر منع أبناء هذه الطبقات من الفكر النقدي الذي يجعلهم قادرين على الثورة العميقة على قدرهم الاجتماعي. إننا نلفت انتباه قارئنا الكريم إلى أن الدين عند هؤلاء هو سلعة للبيع وللربح وبما أن الناس لها مشاعر دينية صادقة فسيستغل التجار ذلك ليزدادوا ربحا ويزداد الناس هشاشة. فالمشكلة ليست قطر ولا أي بلد آخر في العالم، بل المشكلة هي المشروع الذي يختفي وراء تلك الأموال التي لا يريد أصحابها سوى المزيد من الربح السهل دون أي اهتمام بعواقب نشر الفكر الخرافي في المجتمعات
أيها السادة سأعود لهذا الخطاب الدعوي بالتفصيل وبأمثلة دقيقة وإن التعاون بين تونس وأي بلد عربي هو رجاؤنا الصادق على أن نتفق أولا أي مشروع نريد لشعوبنا وأي ثقافة نمول وأي تربية وأي تكوين؟
يا أبناء وبنات الطاهر الحداد والمسعدي إن مشاريع ثقافية هووية محافظة تمولها أسهم عملاقة في البورصة تنوي أن تقبر إلى الأبد حلم جيلنا بإنهاء بناء السدّ. حلمنا بمزيد من التحديث. قد لا يرى البعض من المحسوبين على الحداثيّين في ذلك مشكلا مادام ثمة سيولة مالية لكنا لهؤلاء بالذات نقول: إن أموالا بلا أفكار لن تثمر بلدانا مزهرة وسعيدة بل قضبانا عالية
بقلم زينب التوجاني نشرعلى جريدة الشروق