تأهلت بطلتنا أنس جابر إلى ثمن النهائي في بطولة رولان غاروس للسيدات، ورفعت عاليا جدا علم وطنها واسم تونس ولم يكن في انتظارها بعد فوزها سوى حضن زوجها الذي التقطته عدسات الكاميرا وهو يستقبل البطلة مهنئا ومشجعا ومشاركا إياها الفوز. أنس جابر لم ترفع فقط علم تونس وتتقدم على نظيراتها وتزلزل ميادين التنافس بل لقد رفعت صورتها تلك وزلزلت بنى اجتماعية وسياسية قاهرة للنساء وللرجال وللأفراد عموما. ففي غياب الدولة التونسية وفي غياب المسؤولين وفي غياب الدعم الرسمي يتحول الزوج إلى شريك في الطموح وفي الانتصار داعما البطلة رافعا معها لا علم تونس فقط بل قيما جديدة للعلاقات الاجتماعية القائمة على المساواة والكرامة والتشارك والصداقة
وبينما كان هذا الثنائي الرائع يشرف البلاد والرجال والنساء لم نسمع احتفاء رسميا ولا تشجيعا ولا تنويها ببطولاتها وفوزها، إنها ثقافة البكاء والنواح الرسميين على الواقع الصعب. أما اقتناص اللحظات الموحية بالعزم والإصرار والمثابرة والعمل والفوز والانتصار فإن سياسي البلاد في نوم ينعمون. وأنى لهم أن ينتبهوا إلى دورهم الحضاري في رفع معنويات الشعب ودفعه إلى العمل والأمل؟ وأنى لهم أن ينجزوا واجبهم السياسي الذي يحتم عليهم رسم معالم طريق واضح النوافذ لشعب اجتمعت عليه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية والسياسية؟ إننا أمام سياسات الانفعال والظن والأحقاد وتصفية الحسابات والمصالح الآنية وضيق البصيرة. وإن التونسيين الذين فاق فيهم حملة الشهائد النصف وبينهم أكثر من النصف بقليل من النساء والذين ارتفعت فيهم نسبة الشباب وبين هؤلاء من الشباب أكثر من النصف إناث يعولون تعويلا واضحا على الطاقات التي لم تستثمر بعد، وهي واضحة: طاقات الشباب والطاقات النسائية. لكن هذا الواقع غير ممثل لا في الحكومة ولا حتى في البرلمان
وإن ثقافة البكاء على الواقع المرير لا تقدم لشعب يكافح الوباء والأزمات العالمية والوطنية والاقليمية حلولا بل تجعله يتأخر خطوات إلى الوراء ولكن فوزا كفوز انس جابر يدفعنا إلى التفكير في سبيل الخلاص من الضيق الذي نحن فيه، وسبيل الخلاص واضح يتمثل في الاعتماد على الذات والبحث عن حلول فردية للازمات وعدم التعويل على دولة عاجزة تسيرها قلة الكفاءة وثقافة الصحوة الأخروية التي تعادي الحياة والنساء والانسان . دولة مترنحة شرعوا في اختراقها منذ عشرية قاسية على التونسيين
إن التونسيين يملكون الطاقات الشبابية الخلاقة ولهذا فإن صورة أنس جابر وزوجها تلخص آمالنا بوطن صحي وآمن يقوم على علاقات التعاون والمودة والرحمة والتضامن الانساني العميق، وتلخص تلك الصورة البديعة علاقات المساواة التي نأمل تحقيقها وما تنتجه من معنى ومن دلالة وانسجام. ولكن هيهات أن ينتبه السياسيون لكل هذا وأن تنتشر ثقافة المحبة والتعاون والفوز والانتصار فقد أحاط بنا فاعلون كل همهم أن يبكوا ويصرخوا ويندبوا ويولولوا ويصيحوا صيحات الفزع ويتشنجوا ويزيدوا بكل أفعالهم العقيمة المجتمع عنفا وألما وصراعا عقيما
إن الفرح ممكن والنصر ممكن والخلاص ممكن ولكن شرطه الوحيد إعادة الثقة بالنفس وبالذين يحبوننا وبناء علاقات جديدة تفتح نوافذ جيل جديد وحلم جديد. وإن الحياة تجد دائما دروبها مهما أشاع السياسيون الذين بلينا بقلة كفاءتهم اليأس والعنف والسواد. فشكرا من القلب على نافذة الانتصار والفرح أنس جابر
زينب التوجاني