يا سادتي الرؤساء…جمهوريّة أم إمارة إسلاميّة؟

هل أتاكم أيها القراء الكرام فيم الرؤساء عندنا يختصمون؟ هل أتاكم حديث الجمهورية صارت تبحث عن شرعيّتها في المساجد والرموز

زينب التوجاني

الدينية؟ هل أتاكم النبأ العظيم؟ يوم لا ينفعُ الشعبَ سوى التفافه على مكاسبه المدنية في محيط يترصد التونسيين ليسقطوا في بئر الظلامية السحيق؟

هل تذكرون سادتي كيف في 1857 تمّ توقيع عهد الأمان في تونس وقد سوّى بين جميع التونسيين مهما كان المعتقد في الحقوق والواجبات؟ وهل تذكرون كيف في 1861 صدر الدستور الذي ضبط حقوق وواجبات الحكام والمحكومين. وفصل بين السّلط الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية، وانبثق عن الدستور انفصال بين القضاء المدني والعسكري. وصارت البلاد نحو الإصلاح السياسي والمدني بخطوات جريئة ندين فيها بالفضل لمصلحين من أمثال ابن أبي الضياف ولإرادة سياسية كالتي كانت للصّادق باي؟

فإذا كنتم تذكرون كلّ ذلك وكيف بدأت تونس مسار الفصل بين سلطها باكرا وكيف سارت على درب الفصل بين القضاء المدني والعسكري باكرا وكيف بمجيء الاستقلال خطت الجمهورية نحو فصل الأحوال الشخصية عن هيمنة الأعراف الاجتماعية التي تتغطى بالدين فكانت مجلة الأحوال الشخصية الخطوة الجديدة نحو مسار الإصلاحات التشريعية والمدنية وجعلت النساء يتحررن من عبودية الأعراف التي غبطتهن حقهن في الكرامة والعمل والتعلم والمشاركة في السياسة والاقتصاد والثقافة والفن، فواعجبا كيف تسير بنا الحياة إلى الوراء فنسمع عجبا ونرى غرابة ليس لها مثيل..ففي عهد البايات تتم الإصلاحات الكبرى لفصل السلط والخروج من الحكم الواحد المستمد شرعيته من الدين وفي عهد الجمهورية والثورة على الاستبداد يتكلم الرئيس مستندا إلى إرادة ربانية لا ينفك يذكّر بها في كلّ حين. فما من خطبة إلا ويذكرنا السيد الرئيس أنه يطبق إرادة الله ويسعى أن يكون عليه شهيدا، وها هو في اجتماعه يوم 10فيفري يحيل إلى الخضر حسين الذي أُجبر على تقديم استقالته من مشيخة أزهريّة مصر لأنه كان رافضا للإصلاحات التي أتى بها جمال عبد الناصر حين أعلن فصل القضاء المدني عن القضاء الشرعي ولكنّ خضر حسين التونسي الأصل تشبث بالشريعة والحكم بالحق الإلهي ودافع عن الخلافة وهاجم عبد الرازق وأطروحته الفريدة الإصلاحية ورفض الجمهورية والدولة المدنية ومن تحت رأسه تولّدت أشد الفرق الإرهابية إرهابا فقد برر الجهاد واعتبره فريضة واجبة. ونظّر للدعوة الجهادية وتعلمون يا سادتي نتائجها. فكيف والحال أن الرئاسة التونسيّة مدعوّة لتحمي الفصل بين السّلط والفصل بين المدنية والمرجعيات الدينية ومدعوة بان تحمي مسار الدولة التونسية القائمة على النظام الجمهوري والتعاقد البشري المدنيّ ومدعوة إلى أن تحافظ وتدعم قيم الفصل بين الدين والسياسة حتى لا يدعي مدع انه الخليفة بأمر الله فيعيث في البلاد فسادا ..كيف للرئاسة أن تستخدم في حربها الشّخصية ضد فتوى عياض ابن عاشور التي قامت على تأويل اجتهد فيه صاحبه فلم يوافق التأويل هوى الرئيس، كيف يمكن أن يحاربه باستحضار الخضر حسين ونعت المفكرين التونسيين بكونهم أصحاب جهالة فكرية؟

يا سيدي الرئيس لقد رفعت في وجوهنا نحن التونسيات في يوم 13 اوت حجية ثبوتية النصّ بغير حق، ثم في 10 فيفري وظفتنا فاتهمت حكومة المشيشي بأنها ليس فيها نساء، فالنصّ الذي رفعته في وجوهنا يوم 13 اوت فيه كذلك أن النساء لا يصلحن للحكم لان الرجال قوامون عليهم فماذا تفعل في حججك الشرعية؟ هل تعمل ببعض وتترك البعض الآخر أم ماذا؟ وهل تدعي يا سيدي أنك حين تستدعي الخضر حسين لتبكّت حفيد الطاهر ابن عاشور أحسنتَ لله وللوطن الذين بهما تقسم وتقول أنك لأجلهما ترفض التحويرات الوزارية؟

إن اللعبة في تونس صارت حول أغراض شخصية لا مصلحة فيها للوطن: الغنوشي يتلاعب ليثبت لنفسه أنه لا ينهزم والرئيس كذلك يتنقل من الشارع إلى المساجد ومن الخضر حسين إلى المفاهيم الشرعية ليثبت انه الأقرب الى الله، والأقوى ايمانا والأقدر على الفوز بشرعية الدين. والشعب بينهما بين غرّ وصاحب مصلحة وهاني معاكم لا تنسوني والدنيا مع الواقف وأما ذوو العقل فقد حسم أمرهم المعري منذ قرون فإنهم يشقون وهم يرون بلادهم في فم عفريت: الفقر يتهددها والحروب الإقليمية تتطرفها والاستعمار اللامرئي يخيم على مصير أبنائها ورؤساؤها يتسابقون للفوز بالسلطة في الدنيا وبالرضا الرباني والحور العين ودنان الخمور في الآخرة

زينب التوجاني