التطبيع مع العنف أخطر بكثير من العنف نفسه
إن تعرض المرأة في الفضاء العام إلى شتى أنواع العنف ظاهرة لا تخفى على أحد، بل إن الأخطر هو ملاحظة نوع من التعايش مع الظاهرة حتى صار كل من هب ودب يستبيح النساء دون أن يلقى معارضة أو استنكارا
إن التطبيع مع العنف أخطر بكثير من العنف نفسه أو هو أعنف مظاهره. ويبدو أن هذا التطبيع لم يعد مقتصرا على الفضاءات العمومية المفتوحة بل إنه دخل إلى مختلف الفضاءات العمومية بما فيها فضاءات العمل السياسي وفضاءات مؤسسات الدولة سواء التنفيذية أو التشريعية، وحلقات تعنيف النساء في هذه الفترة الأخيرة لا تكاد تتوقف، وهي صادرة للأسف عن فاعل اعتباري واحد وإن تعدّد الأشخاص مما يجعل الظاهرة مرتبطة بخلفية إيديولوجية ومرجعية عقدية أكثر مما هو مرتبط بخلافات سياسية
فبعد الإهانة المخجلة التي وجهها العفاس لنساء تونس والتصنيف الفضيحة الذي تفنن في استعراضه، وبعد الضربة العنيفة التي وجهها من حددوا شكل الحكومة الأخيرة إلى كل نساء تونس باختيار إقصائهن من مواقع القرار بجعل الحكومة ذكورية في مجملها، والإقصاء كما تعلمون مظهر خطير من مظاهر العنف السياسي والإداري، وهذا انقلاب حتى على المبادئ الدستورية التي نص عليها دستور 2014
تابعنا على المباشر تعرض نساء نائبات ينتمين إلى أحزاب مختلفة عن الحزب الذي ينتمي إليه مرتكبو التعنيف إلى العنف اللفظي وإلى التهديد بالعنف الجسدي في الموقع الذي يفترض أن يكون أكثر المواقع إعلاء من شأن الدستور وحرصا على تطبيق مبادئه واحتراما للقوانين التي تصدر عنه، هذا العنف صادر عن عقلية واحدة تعتبر أن وجود النساء في ذلك الموقع أمر خارج على « الحدود والضوابط » التي صنف على أساسها النائب العفاس نساء تونس إلى « نسائنا » المحتجبات بالبيوت المتحجبات بنقابهن والمتعففات عن تعاطي أعمال « الرجال » واللاتي لا يرفعن أعينهن فيهم ، وهناك « نساؤكم » اللاتي يقتحمن مواقع الرجال وفضاءاتهم ووظائف من اختصاصهم ويجادلنهم ويتصدين لهم ويغالبنهم ويتغلبن عليهم بلاغة ووضوحا ومبدئية وموقفا.
فكيف يستطيع نائب كالعفاس وشيخه ومن والاه وسيده أن يتحملوا مثل هذا الخرق الخطير الذي يهدد رجولتهم ؟ إنها عقلية ذكورية مقيتة يزيدها التستر بالفهم المنغلق والذكوري أيضا والعنيف للدين خطورة وتثبث خطورتها الهنجهية السلطوية التي بدأت تأثيراتها تتجلى بوضوح في سلوك هذه الجماعة وفي علاقاتها بكل من يخالفها الرأي بعد أن تهيأ لها أنها تمكنت من البلاد ومن العباد منبئة عن منظومة استبدادية أبشع من تلك التي ثار عليها التونسيون
بقلم نزيهة جويرو