السيف والقلم

يعتبر ابن خلدون الدولة جهاز قلم وسيف تحتاج إليهما في نمط تكوّنها وفي نمط عملها. إلا أنه يرى أن بداية تأسيس كل دولة تحتاج إلى السيف والحرب والعنف أكثر من احتياجها إلى القلم والفكر والأدب كذلك الشأن في آخر الدولة « حيث تضعف عصبيتها » فيصبح الوجه العنيف هو وجهها. أما في نمط عملها اليومي بعد تأسيسها تحتاج الدولة أكثر إلى القلم لا سيما إذا تم الاستقرار (إي في وسط الدولة) وقويت أوتادها وبنت مؤسساتها وآلياتها. هنا أيضا يقارن ابن خلدون بين الاستراتيجي صاحب السيف والمثقف الأديب صاحب القلم. يكون السلطان الأمير محور السلطة ويكون الاستراتيجي صاحب السيف والمثقف الأديب صاحب القلم عمادين لها بمعنى أن السلطة تكون تارة في حاجة أكثر إلى صاحب السيف وتارة أخرى في حاجة أكثر إلى خدمة القلم. والسلطان حسب الاحتياج يعطي الجاه والنعمة والثروة إلى هذا أو ذاك وقلما أعطاها لهما في الآن نفسه بل قلما اعتمد عليهما في الآن نفسه بنفس الصيغة وأعطاهما نفس الجاه والثورة

فالفترة التي تعيشها تونس اليوم مصيرية باعتبار أن المناقشات العمومية والبرلمانية وإن تضاربت غاياتها فهي قد تكرس الغطرسة والقوّة والتسلّط فنتدحرج من جديد نحو العنف والبأس. فهي بتعبير ابن خلدون فترة قيام عصبية جديدة لتأخذ بزمام الحكم لذلك سيلعب العنف الممتد من الإرهاب إلى التجاذبات والتعبير بالعضلات دورا فعالا يجعل من صوت المثقف الحقيقي صوتا خافتا جدا

وإذا لم تلعب السلطة القائمة دورها في استعمال القانون وتطبيقه بالعدالة على الجميع دون استثناء (ما يسمّيه ابن خلدون بالسيف وما نضيف إليه مفهوم المقنّن)، فسيجرفها سيل العنف الممنهج وتصبح تونس تحت حكم دكتاتوري أعظم بكثير من الدكتاتوريات السابقة.السيف والقلم

الأستاذ فتحي التريكي