عن مكبرات الصوت في المساجد

بعد الفشل في الإبقاء على صلاة الجماعة واضطرار المعترضين على ذلك إلى الانصياع لِما أمر به الأطباء من ضرورة منع التجمعات أيّا كان سببها حماية لأرواح الناس من انتشار الوباء عادوا إلى حشر أنفسهم في كل مرة يظهر فيها الأطباء لنصح الناس وكأني بهم يحاولون السطو على مهام الأطباء من ذلك التدخل في دفن موتى الكورونا أو الادعاء بأن الصيام يقوي المناعة، ولأنهم لم يتمكنوا من فرض الإبقاء على صلاة الجماعة طلع علينا هؤلاء برأي نشره المدعو رضا الجوادي جاء فيه قوله بأنه:  » تَصِحُّ صَلاَةُ الفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ فِي البُيُوتِ اِقْتِدَاءً بِإِمَامٍ فِي المَسْجِدِ يُسْمَعُ صَوْتُهُ بِمُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ وَتُعْلَمُ انْتِقَالاَتُهُ فِي الصَّلاَةِ. » واستند في ذلك إلى ما لا يصح الاستناد إليه في حالتنا هذه بحيث حرّف الكلم عن مواضعه والأحكام عن سياقاتها، ولي على ما ذكر جملة من الملحوظات هي التالية

1) الأصل في العبادات أنها مبنية على المنع فلا فعل فيها إلا بأمر واضح وصريح لذا ذهب جلة الفقهاء إلى أنه يحرم على أي كان أن يتناول العبادات بالتغيير سواء كان ذلك بالتقديم أو بالتأخير أو الإضافة أو الإنقاص، بحيث يقوم بها المرء كما أمر المشرع دون تفتيش عن علة أو سبب الهيئة التي هي عليها لأنها المظهر الخارجي والمادي للإيمان الذي هو فعل قلبي والحكمة منها هي إظهار الطاعة لله، أما ما يذهب إليه البعض من أن الوضوء نظافة والصلاة رياضة والصوم حتى يحس المؤمن بجوع الفقراء فيلين قلبه فذلك من ساقط القول الذي لا يُعتد به ولا يُؤبه له وهو ما يدرجه العقلاء في باب الرقائق وتقريب المعاني من العقول المتحجرة والأنفس الملتبسة، في قوله المذكور أعلاه تجرأ الجوادي على استعمال القياس في غير محله فالعبادات أوّلا لا مجال فيها للقياس لأن القياس يحمل استحداثا لفعل أو حركة وهو محرّم هذه الأولى والثانية الصلاة مع وجود حائل بين الإمام ومجموعة من المصلين كأن يكون طريقا أو نهرا له أحكامه التي لا تنطبق على الحالة المتعلقة بالبقاء في البيت مع متابعة الإمام عن طريق مكبرات الصوت أو الإذاعة

2) ذهب الجوادي المذكور إلى أن الصلاة في البيت مع متابعة الإمام عن طريق مكبرات الصوت جائز وهو قول فاسد مبتدأ ومنتهى لأن صلاة الجماعة باطلة في هذه الحالة وقد أفتى بذلك الشيخ محمد الهادي ابن القاضي قال في جواب عن سؤال: « لا يصح اقتداؤك بإمام الجمعة بالمسجد عن طريق المذياع وأنت في بيتك لأن شروط صحة الجمعة أن تؤدى في جماعة وذهب المالكية إلى أنها لا تصح إلا في المسجد »(مجلة الهداية السنة 2 العدد 3، ربيع الأول 1395-1975 ص97) لأنه لو فُتح باب هذه البدعة لوجدنا الإمام في قارة والمأموم في قارة أخرى والحال أن المأموم يجب أن يتابع إمامه بالنظر أو بالصوت قال الرسول (ص): « صلوا كما رأيتموني أصلي » لأنه الإمام الذي يجب أن يتابعه المأموم وهو ما يعني أن تكون الصلة بينهما حقيقية زمانا ومكانا لذا نصّ الفقهاء على أنه يشرع للإمام أن يجهر بتكبيرات الإحرام والانتقال بين أركان الصلاة ويتبعه في ذلك المسمّع أو المبلغ حتى يسمع ذلك من هو في آخر الصفوف وفي المسألة أقوال، المهم أن الصلاة في البيت مع متابعة الإمام في التلافيز والمذاييع بدعة لأنها تفتقد إلى شرطها الأساسي الذي هو وحدة المكان بين المأموم والإمام

3) الترفيع من مكبرات الصوت عند أداء الصلاة هو الآخر منكر قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: « إن الجهر المتوسط بقراءة القرآن قبل صلاة الجمعة جائز إذا لم يخشى منه تشويش على متنفل بحيث يبلغ إليه الصوت ويشوّش عليه فإذا كان المصلي قريبا من القارئ وخشي عليه التشويش كره الجهر حينئذ فيخافت القارئ من صوته، وأما الجهر الشديد فإيقاعه في المسجد مكروه عند مالك رحمه الله مطلقا. » (المجلة الزيتونية المجلد 2 الجزء6 محرم 1357/1938 ص260 و261) إن كان هذا حكم من يقرأ القرآن دون مكبر صوت فكيف يكون حكمه في الحالة الجوادية، أفتى الشيخ محمد المختار السلامي بحرمة إذاعة القرآن بمكبرات الصوت جاء في فتواه: « ولذا فإن قراءة القرآن بواسطة مضخمات الصوت من أعالي المآذن مما يتعين منعه لأن القائم به ليس عابدا ولكنه عاص، إذ هو بعمله يجعل القرآن موجب إزعاج وإرهاق للأعصاب ولأنه غير محترم للقرآن إذ يصل صداه إلى مجامع الطهر وغيرها ويحول بين المصلي الداخل للمسجد وبين الخشوع في صلاته ويشغله عن تحية المسجد وإن التأثير السلبي للجهلة المتعصبين على الدين قد يكون أسوأ من تأثير أعداء الدين فما كان التعصب للدين أو عليه عمى والقرآن بصائر » : مجلة الهداية العدد 4 السنة 15 ص102
والمستفاد مما ذكر أن هؤلاء الذين يحشرون أنفسهم فيما هم غير مؤهلين إليه يسيؤون إلى الدين لأنهم يستغلونه لتحقيق مآرب سياسية لا تخفى إلى على عُمي البصر والبصيرة وهم الذين أشار إليهم الشيخ السلامي في آخر فتواه، بعد هذا هل تتجرأ وزارة الشؤون الدينية وتفرض الانضباط وتمنع نشر هذه الجهالات بين الناس بفضح أصحابها ولجمهم عن المزيد من الإفساد

بقلم أنس الشابي