يتّهم بعض القيسيين من رفض فكرة التبرّع بيوم عمل لمدّة خمس سنوات بكونه لا يفهم اللغة العربية ،يعني بالجهل و »البهامة » (حاشاكم) ، وأنا أقول لهؤلاء، كفى فنحن درسنا العربية ولا نزال ندرسها وندرّس بها وندرّس من يدرّسها بكل الصيغ التي تفهمونها ولا تفهمونها وفي كلّ المقامات، ليس الآن فحسب ، بل منذ عهود وسنوات، والعربية ليست نشوة ولا خدرة إحساس ولا موجة عابرة وليست أيضا خطبة مغناطيسية ولا شعارات سياسية ترفع وتتشدّق بها الأحناك وتنتفخ بها الأوداج خيلاء وخزعبلات، العربية مشروع ألسني تربويّ اجتماعي مواطني تنموي حضاريّ كوني يمضي قدما نحو الفعل الإيجابيّ والتغيير الشامل المنصف العادل، ولا يكتفي بالإنشاء المدحي أو الفخري الجميل ولا يحمل مقصد الهجاء المخاتل المخفي عن العيون ، وقد ولّى عهده بمضي عهود البلاطات والمكاء والتكدية ومجازاة المدّاحين من جيوب الفقراء والكدّاحين، ولا قيمة للإنشاء السياسيّ إن لم يكن مقبولا وجيها معقولا أخلاقيا بكلّ ما تحمله هذه الصفات من دلالات وقيم
وتأكيدا لوعينا بالعربية وأفعالها القولية نعلّم من ينعتنا بالجهل وعدم فهم خطاب الرئيس في مقصده ومغزاه أن هناك فروقا بين ضروب ثلاثة من الأفعال القولية
فعل كلام : Acte locutoire
فعل تكلّمي: Acte illocutoire
فعل تكليميّ:Acte perlocutoire
فالأول مجرد إنجاز لغوي يدلّ على استخدام سليم لقواعد اللغة واللسان والثاني تعبير عن مقاصد قولية ثاوية في ذهن المتكلم وموقفه اللغوي كالاستحسان والتحقير والوعد والوعيد والثالث دعوة إلى الفعل والإنجاز أي فعل تأثير بالقول يؤدي إلى حدوث عمل لدى المتلقي طال الزمان أو قصر
وما كلام رئيس الدولة الجديد عن تبرّع بيوم عمل لمدة 5 سنوات من ضروب أفعال الكلام المجرّدة التي وظيفتها الإخبار ولكنها من النوع الثالث الملغّم بالدعوة المبطنة إلى الفعل والحثّ على الإنجاز فهو فعل تأثير بالقول ذو مقصد استنجازي
إذن هو خطاب مخاتل لا يفهم في ظاهره كما تتدعون، بل هو من ضروب الإنشاء والأعمال اللغوية غير المباشرة بكلّ ما حمله داخله من تحضيض وتحريض مبطن وجسّ نبض ودعوات غير مصرّح بها إلى تلبية رغبة هؤلاء الشباب الذين لا يكفّ رئيسنا الفصيح عن التكلّم باسمهم، كما لو كانوا هم القادة والحكام وأصحاب القول والحدّ و الحلّ والعقد، بينما نحن الكهول والشيوخ من ولى زماننا، فاقدو « الوعي » و »الوطنية » و »النخوة » والإنسانية وربما نحن دعاة الفتنة والجهالة وعنوان الخسّة والنذالة إن رفضنا هذا التبرع أو حتّى أبدينا مجرّد وعي مضادّ بخطورته وما يمهّد له من ضغط شعبيّ لتكريس مقاربة المجبى بدل مقاربة الإصلاح والمواصلة في سياسة نهب جيوب الموظفين والأجراء، بدل إيجاد حلول لتعبئة موارد الدولة بالإصلاح الضريبي والإنصاف الجبائي والبحث عن مناويل تنموية واقتصادية تلبي طلبات الجميع على قدم المساواة
لسنا خونة ولا أقل وطنية ولا أكثر جهلا وأنانية – يا شباب قيس- ولكن نحن من يدفع75 في المائة من ميزانية الدولة ونحن من يقتطع من جرايتنا 1 وربما 2 في المائة دون استشارتنا وموافقتنا، نحن من نحصل على قروض بنكية بفوائض لا قبل لنا بها ،نحن من لا نكمل الشهر دون اقتراض ومهانة ،نحن من يعيش الفاقة والحرمان ونتعفف عن توصيف أحوالنا كما هي، فارفعوا شعاراتكم السياسية وغوغائياتكم الفايسبوكية و أياديكم عن جيوبنا ولا تستبلهوا عقولنا وابحثوا عما تتدفق به خزائن الدولة في جيوب المحتالين والفاسدين واللصوص والمتهربين والمهربين
ولن نتبرع بربع ساعة يوم واحد مادام الوضع على ما هو عليه ولن نشجع الحكام الجدد على التمادي فيه، فاتركوا عنكم المزايدات والشعارات والإخشيديات ،إذ لستم أكثر وطنية منا ولا عربيتكم أشد وعيا من عربيتنا
وقديما قال الشاعر
نَعُمُّ أَنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونَا
نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوفِ إِذَا غُشِينَا
سلوى العباسي