الغنوشي و ربطة الرئاسة ؟

يشغل وسائل الإعلام في تونس هذه الأيّام خبر سياسيّ في غاية الخطورة هو نيّة راشد الغنوشي الترشّح للانتخابات الرئاسيّة 2019. و الطريف في الخبر أنّه يستمدّhedi jatlaoui الدليل على صحّته من ربطة العنق في رقبته. و المخبرون يعملون هنا و بدون أن يشعروا بالمثل : قل لي ماذا تلبس أقل لك من أنت وهو على وزن قل لي من تعاشر أقل لك من أنت. فما معنى أن يشدّ الغنوشي على أنفاسه بربطة العنق؟
من منّا لا يعرف أنّ ربطة العنق هي « اكسسوار » من « اكسسوارات » البذلة « السوري » أي الزيّ الذي يتهندم به الغربيون. و لباسك لباس الغرب تعبير منك ضمنيّ عن انتهاجك منهجهم فيما وراء لباسهم من مناهج الحياة في سلوك أو ثقافة أو فكر. و الغنوشي، على شاكلة النهضويين، يتسربل، في المرافق العموميّة، بلباس الغرب باستثناء رابطة العنق. و ذلك يجمعهم، في الظاهر، بمعظم التونسيين في الانتماء إلى ثقافة تونسيّة حديثة غربيّة لا شرقيّة تدعّمها « الروبافيكا ». و كأنّ النهضويين بذلك يتنصّلون، في الظاهر على الأقلّ، من تهمة الانتماء إلى ثقافة أو إيديولوجيا شرقيّة أو سلفيّة إلاّ لمن تدشدش منهم
أمّا ربطة العنق فعلامة هنداميّة بروتوكوليّة دالّة على التحرّك في فضاء رسميّ إداريّ أو احتفاليّ سياسيّ و غير سياسيّ. و حمل ربطة العنق في هذه المحافل واجب و دالّ على مدى التزامك و انضباطك للبرتوكول. و من ربط عنقه بها أحسّ بأنّه مخنوق و أنّ الدم انحصر في رأسه و كاد ينفلق من ثقوب رأسه و أنّ تخلّصه منها خارج تلك المحافل راحة و تنفيسة حتّى ولو كان من المتعوّدين عليها
و عدم حمل رابطة العنق في المحافل الرسميّة تعبير، حينئذ، عن معاني الثوريّة و عدم الالتزام بقواعد البروتوكول و عدم الانصياع للهرميّة الإداريّة و عدم الامتثال لثقافة الطاعة و قيود الأخلاق و المجتمع و لذلك اتّسم الهندام النقابي و الحقوقي في بلادنا بالتحرّر من ربطة العنق و صارت النهضة على هذا المسار تعبيرا منها عن خروجها عن الصراط الإداري البروتوكولي
أمّا اليوم و قد حزم الغنوشي عنقه بربطة العنق، متبرّئا من رئاسة المرزوقي، فإنّ حدثا حدث فعلا في دماغ النهضويين و دماغ قائدهم. إنّه تحوّل نحو الاندماج في القطيع السياسي و طلب الانخراط في نادي السياسة و اتّخاذ موقع في داخله و الرضى بقواعد اللعبة فيه بعد الجلوس بعيدا عنه بغير ربطة العنق. و لقائل أن يقول: و لكنّ النهضويين قد دخلوا اللعبة السياسيّة منذ 2012. نعم و لكنّ دخولهم سابقا كان بمثابة تسخين الرياضيّ للدورة الدمويّة أمّا مع ربطة عنق الغنوشي فإنّها التصفيرة المؤذنة بضربة البداية لمباراة يجب على التونسيين أن يكونوا طرفا فيها و أن لا يكونوا فيها مجرّد متفرّجين

الدكتورالهادي جطلاوي