2 تعليم مملّ لجيل ما بعد الإنسانية

تبدأ اليوم الامتحانات الكتابية لتلاميذ الابتدائي والثانوي وقد مضى على بداية الاختبارات أسبوع كامل، يليه أسبوع ثان فثالث للإصلاح وبذلك فإن التلاميذ يقضون مدة الشهر يُمتحنون، أولا عبر التقييم ثم الاختبار الرسمي ثم إصلاح الاختبارات. ويعلم الجميع أن شهر جانفي عرف انتشارا كبيرا للاوميكرون ترتب عنه انقطاعات مدرسية في صفوف المتعلمين والمعلمين وأغلقت بعض المدارس أبوابها. وبذلك فقد كان جل الثلاثي الثاني تقريبا اختبارات وتقييمات. وعطلة الربيع على الأبواب. ويجد المتعلم نفسه أمام مواد متعددة وفروض كثيرة دون أن يكون نسق التعليم طبيعيا وعاديا ومناسبا للظروف الطارئة وللعصر. فالأولياء يصارعون أطفالا اعتادت أناملهم الصغيرة على اللعب بالهواتف الذكية. واعتادت أبصارهم على الحركة السريعة للصور وآلفت آذانهم سماع موسيقى التطبيقات العجيبة الخالبة، كيويتوب وعوالمه وتيك توك وغيرهما من الوسائل الاتصالية والبصرية والسمعية الحديثة

وفي عالم السرعة المتدفقة ومابعد الإنسانية2، لا يزال التلميذ يتلقن دروسا هندسها جيل لا يعرف الانترنات ولا الحواسيب ولا حاجة إليه للتأقلم مع ما في العصر من ظروف جديدة طارئة. فتجد الطفل والشاب غير منجذب للدرس، لا يعيره انتباها إلا بالغصب والإكراه. وبالتهديد والتخويف، وبالعقاب والمراقبة. وتتحول المدرسة إلى مؤسسة شبيهة بمعتقلات العقاب، فلتتعلم أيها الطفل دون أن يراعى جانبك الحسي والجمالي ولا سنك ولا مدى قدرتك الذهنية والمادية والاجتماعية، لتتعلم نفس المحتوى بنفس الدرجة من الحزم والصرامة حتى أن درسا ثابتا في التعليم الابتدائي يوزع أدوار العائلة على هذا النحو: الأب يعمل ويجلب المال والأم تلبث في البيت تطبخ الطعام والأخت تساعد على تنظيفه وتجتمع العائلة لتتعاون مساء على طاولة العشاء. وغير ذلك كثير مما لا يطابق الواقع اليوم ولا يعبر عنه. لتحفظ هذه المادة وتلك ولتستعرض ما قاله فلان وفلان ولتتعلم كما تعلم والدك وامك من جيل ماقبل الانترنات والوسائط الحديثة. وإذا تبرمت ايها الطفلُ أو شعرت بالضغط والقلق والفراغ وغياب معنى ما تتعلمه فلتجبر على الانضباط بوسائل التربية التقليدية دون أن تتاح لك الفرصة ليسمع الآباء والمعلمون صوت انزاعجك العميق من تصورات التدريس ووظائف المدرسة ومناهجها وأ÷داف الامتحانات وأساليبها وسياق الوباء ومابعده والآلام الناتجة عن الهوة السحيقة بين من لمست يده الشاشة المسطحة للهاتف الذكي ومن كبر على الريشة أو القلم

إن مؤسسة التعليم بكل مراحلها صارت لا تؤدي أدوارها على النحو المطلوب، فقد اكتضت الاقسام بشكل غير مسبوق في تاريخ المدرسة بسبب التراجع في الانتداب وطفرة الولادات وضعف الدولة وعدم استعدادها في العشرية الاخيرة لمجابهة الانفجار العام للسكان وتزايد الولادات رغم انهيار الاقتصاد بعد سقوط النظام القديم ومجيء السياق الحالي الذي يتميز بالتغييرات الريعة والمربكة والمؤلمة. وازدادت المواد التعليمية بلا خطة سوى إرضاء هذه القوى الاجتماعية المحافظة وتلك الدافعة للتغيير وها ه المدرسة تدرس الشيء وضده وتعيد انتاج الانفصام الاساسي المجتمعي في أحضانها. وزد على ذلك ارتفاع أسعار المستلزمات وثقل ذلك الاقتصادي والنفسي والاجتماعي وأضف إلى ذلك توزيع الوقت المدرسي وتوزيع الامتحانات وطول المدة واعتماد هذه الامتحانات على صيغة جزائية بدل أن تكون فرصة للتعلم المفيد والنمو الذاتي

إن التعليم الحالي لا يعد أجيالا ولدت في زمن صعب بكل المقاييس إلى خوض الحياة وإنه يعيد إنتاج الأمراض المجتمعية التي يحملها الآباء والتي أنتجت هذا الوضع التنموي العليل. إن ثورة مقبلة ساخطة وغاضبة تحملها رياح غضب طفولة ستنمو في الصمت وفي التجاهل لآلامها ولانها لم تسمع فيمكن أن تسمعنا صوتها بعد سنوات قليلة في المراهقة بوسائل شتى لم نعد لها العدة ولا نعرف حتى كيف نتوقع خطورتها وانحرافاتها. فمتى ننتبه إلى الرهانات الجديدة التي يفرضها العصر؟

بقلم زينب التوجاني