و يُطعمون الطعامَ على حبّه مسكينا و يتيما و أسيرا

غلاء المعيشة و تدهور القدرة الشرائيّة ملفّ من ملفّات الفساد الكبرى. و قد ارتأى السيّد رئيس الجمهوريّة في معالجة هذا الملفّ أن يتوجّه بخطاب إنشائيّ إنسانيّ إلى اتّحاد الأعراف يلتمس منهم تقديم العون و المساعدة بتخفيض أسعار الملابس و الأحذية كما توجّه إلى أصحاب المساحات الكبرى و إلى وزارة التجارة مستعطفا حينا بتخفيف أسعار اللحوم و الخضر و موادّ الاستهلاك و متوعّدا حينا بارونات المضاربة و الاحتكار

و جاءته الوعود المحتشمة بالأخذ بخاطره في ذرّ الرماد على الأسعار كما جاءته الاعتذارات المبرّرة بهامش الربح الضئيل أو المفقود و التبس استعطافه بموسم التخفيضات « و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي و غيض الماءُ و قُضيَ الأمرُ و استوتُ على الجُذديّ.. » و انتهت حملة الرئيس على ارتفاع الأسعار بالفشل و ظلّ الوضع لا يراوح مكانه إلى التخفيض أو المراجعة

و اعتقادي أن الرئيس قد اتّخذ منهجا خاطئا في مواجهة التهاب الأسعار فيه كثير من الاستخفاف بهذا الملفّ الشائك المعقّد. ما كان عليك أن تخاطب الأعراف و التجّار و السماسرة و المضاربين باسم جملة من المبادئ مثل الإنسانيّة أو الرحمة أو التعاون أو التآزر أو مراعاة الأحوال.. ممّا لا يؤمنون به و يعملون بنقيضه. و ما كان عليك أن تنفذ إلى قلوبهم باسم الحشمة و الأخذ بخاطر رئيس الدولة بل أرى أنّ الخطاب الواجب هو خطاب المطالبة و المحاسبة و المعاقبة. و لو عرفتَ السبب في ارتفاع الأسعار لزالَ العجب. فالدّولة سبب من تلك الأسباب في تثقيل الأداءات على البضائع المحليّة و المستوردة، و المحتكرون و الوسطاء و تجار الجملة و التفصيل مورّطون في اللعب بالأسعار و كان عليك أن تحاصر الأسباب و تضرب على أيدي المسؤولين العابثين لا أن تمدّ كفّ التسوّل و الاستعطاف باسم الكارزما الرئاسيّة

إنّا يا سيادة الرئيس، في هذه اللحظة التاريخيّة، نطالبك بالحزم و الصرامة و محاسبة العابثين بالثروة الوطنيّة و لقمة عيش اليائسين و خوفي أن يجمح بك هذا المدّ الرومنطيقي في مواجهة الثعالب المتربّصة إلى ما لا تحمد عقباه

الدكتور الهادي جطلاوي