وزارة الشؤون الدينية فيما يسمى : الانتقال الإخواني الديمقراطي

نشرت الإدارات الجهوية للشؤون الدينية في بنزرت وقفصة وقبلي وتوزر وغيرها تعميما وردها من الوزارة يأمرها بقراءة القرآن في المآذن فيما بين صلاتي المغرب والعشاء دون الأخذ بعين الاعتبار راحة المرضى ومن يتأذون من الأصوات المرتفعة متخفية وراء الرموز الدينية لأنها تعلم أن أي معترض على هذه الضوضاء المقلقة لراحة المواطنين سيواجه باتهامه بالإعتداء على المقدسات وكرهه للقرآن، فمنذ سنة 2011 لم تتوقف وزارة الشؤون الدينية على الإيهام بأهميتها في الوضع الجديد سواء بادعاء الوسطية أو مواجهة الخطاب المتطرف أو تحييد المساجد وغيره من الألاعيب والخزعبلات التي تستهدف الإبقاء على هيكل إداري يمثل عبئا ثقيلا على الدولة ولا يقدم أي خدمة تفيد المجموعة، والمتأمل في مهام هذه الوزارة يلحظ أنها لا تتجاوز الإشراف على

1) المساجد والجوامع وأغلبها منفلت من عقاله يستخدم كمحلات لترويج الخطاب المتطرف ودمغجة الشباب أو الدعوة إلى التسفير كما أنها تمثل مخابئ مثالية لأسلحة الإرهابيين

2) الحجيج التونسيين وتنظيم تنقلهم إلى العربية السعودية

فيما عدى هاتين المهمتين ـ وأداؤها فيهما ضعيف ـ لا نجد لهذه الوزارة أي حضور

بعد الاستقلال مباشرة وقع تأسيس إدارة عامة أدارت باقتدار الشأن الديني وكان على رأسها الشيخ مصطفى كمال التارزي رحمه الله الذي أصدر مجلة الهداية مستكتبا فيها الخيرة من الأقلام، بعد السابع من نوفمبر وفي إطار سياسة سحب البساط تحولت الإدارة إلى كتابة دولة ثم إلى وزارة افتكَّت منها مجلة الهداية وأحيلت إلى المجلس الإسلامي الأعلى الذي لم تكن له أي وظيفة تبرّر وجوده فاختلقوا له هذه المهمة، بقي الأمر على حاله حتى سنة 2011 لمّا عُين نور الدين الخادمي على رأس الوزارة فعمل على تضخيم الهيكل الإداري وافتعال الوظائف والمهام حتى يبرّر تضخيم ميزانية الوزارة بجانب هذا تدخل في الشأن السياسي منتصرا للإخوانجية ظهر ذلك في بيانه المساند لمجرمي رابعة وفي دعوته من على منبر جامع الفتح إلى تسفير شبابنا إلى بؤر الصراع أو في تكفير المثقفين والمبدعين وفي الدفاع عن الإرهابيين وفي السعي إلى إلغاء منصب مفتي الدولة بهدف خلق وظيفة مفت في كل ولاية وهو ما يعني تفكيك الجهة الدينية الرسمية في إطار ما سُمّي اللامركزية، ولمّا لم تنجح هذه الخطة أنشأ الخادمي إدارات جهوية للشؤون الدينية بهدف تكوين حزام من الإداريين المستفيدين من السياسة الدينية الجديدة القائمة على أخونة الدولة والمجتمع وهو ما حصل فعلا

بعد أن خرج الخادمي من الوزارة لم تتغير سياستها القائمة على التعاون مع الجمعيات الإخوانية تحت مسمّيات مختلفة كما حصل مع جمعية رضوان المصمودي أو بؤرة القرضاوي أو التعامل مع نقابات الأئمة التابعة لنقابة الإخوان بجانب تنظيم حملات للإيهام بحضور الوزارة في المشهد كحملة « غدوة خير » التي أطلقتها الوزارة بدعوى مقاومة الإرهاب وصُرفت فيها مئات الملايين من الدينارات إلا أنها انتهت بتنحية الوزير الذي ابتدعها، هذه الأيام وحتى تثبت الوزارة حضورها في مواجهة الوباء دعت إداراتها الجهوية وعددها 24 إدارة إلى بث القرآن بين صلاتي المغرب والعشاء معتقدة أنها بصدد مقاومة الكورونا والحال أنها بذلك تكشف عن جهالة لا نظير لها بالشرع وأحكامه متوهّمة أن ما يرضي العامة ويمتنع أصحاب الرأي عن مواجهته خوفا من هيجان الدهماء جائز ومحبذ، ولكن في بني عمك رماح

أقول وعلى الله الاتكال أفتى الشيخ محمد المختار السلامي المفتي الأسبق رحمه الله بأن ما دعت إليه الوزارة ليس عبادة بل عصيان قال: « لذا فإن قراءة القرآن بواسطة مضخمات الصوت من أعالي المآذن ممّا يتعيّن منعه، لأن القائم به ليس عابدا، ولكنه عاص، إذ هو بعمله يجعل القرآن موجب إزعاج وإرهاق للأعصاب. ولأنه غير محترم للقرآن إذ يصل صداه إلى مجامع الطهر وغيرها ويحول بين المصلي الداخل للمسجد وبين الخشوع في صلاته ويشغله عن تحيّة المسجد وإن التأثير السلبي للجهلة المتعصبين على الدين قد يكون أسوأ من تأثير أعداء الدين فما كان التعصب للدين له أو عليه إلا عمى والقرآن بصائر »(1)

قال الفقيه الحنفي الكبير ابن عابدين: « وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم، أي لأنه يكون سببا لإعراضهم عن استماعه أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم، تأمل، … إلا أنه يجب على القارئ احترامه (يقصد القرآن) بأن لا يقرأه في الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأه فيها كان هو المضيع لحرمته فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال »(2)

وفي المفاضلة بين الجهر والإخفاء عند قراءة القرآن نقل السيوطي عن النووي قوله : « إن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى مصلّون أو نيام بجهره »(3)

قال الطرطوشي : « فأما القوم يجتمعون في المسجد أو غيره فيقرأ لهم الرجل الحسن الصوت فإنه ممنوع قاله مالك لأن القراءة مشروعة على وجه العبادة والانفراد بذلك أولى »(4)

أما الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فيقول إجابة عن سؤال : « إن الجهر المتوسط بقراءة القرآن في المسجد قبل صلاة الجمعة جائز إذا لم يُخش منه تشويش على متنفل بحيث يبلغ إليه صوت القارئ ويشوّش عليه فإن كان المصلي قريبا من القارئ وخشي عليه التشويش كره الجهر حينئذ فيخافت القارئ من صوته وأما الجهر الشديد فإيقاعه في المسجد مكروه عند مالك رحمه الله مطلقا »(5)

والمستفاد مما ذكر أن ما دعت إليه وزارة الشؤون الدينية إداراتها الجهوية من قراءة للقرآن من المآذن بين المغرب والعشاء مخالف للشرع وأحكامه كما ورد ذلك في فتاوى الأئمة علما وأن العبادات لا يجوز الاجتهاد فيها لأنها مبنية على المنع بحيث لا فعل فيها إلا بأمر ويمنع تغييرها لا بالإضافة ولا بالإنقاص ولا بالتقديم أو التأخير بحيث تؤدّى كما أمر المشرع، ولا تفسير لِما تصنع وزارة الشؤون من خرق للإجماع وتعسّف على الشرع وأحكامه إلا لترضية أطراف سياسية دأبت على المتاجرة بالدين ولو كان ذلك على حساب الدين ذاته ليصدق فيها المثل العامي البليغ : قالو تعرف العلم قالو نزيد فيه

بقلم أنس الشابي

 


الهوامش

1) مجلة الهداية السنة 15 العدد الرابع، جانفي وفيفري 1991 ص102
2) « ردّ المحتار على الدر المختار »، ابن عابدين ج1 ص366 و367
3) الإتقان في علوم القرآن: للسيوطي، تقديم وتعليق الدكتور مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير دمشق بيروت، الطبعة الأولى 1987، ج1 ص338
4) كتاب « الحوادث والبدع » لأبي بكر الطرطوشي، تحقيق وتقديم عبد المجيد التركي، نشر دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1990، ص205
5) « المجلة الزيتونية « الجزء السادس، المجلد الثاني، بتاريخ مارس 1938، ص21