لم يكن هذا اليوم يومًا عاديًا
ففي صباحه، استيقظنا نحن المحامين على خبر مفجع: تمّ نقل عدد من موكّلينا من السجون التي كانوا موقوفين فيها، دون سابق إنذار، لا لنا كمحامين، ولا لعائلاتهم
منذ اللحظة الأولى، لم تهدأ الاتصالات: محامون يتبادلون الأسئلة، عائلات تحاول يائسة الوصول إلى إجابة، والجميع يبحث بفارغ الصبر عن حقيقة ما جرى
من تمّ نقله؟ من بقي؟ إلى أين ذهبوا؟ ما أوضاعهم؟ وما هي الظروف التي يعيشونها الآن؟
لقد خلّف هذا الحدث موجة من القلق والاضطراب اجتاحت الجميع: المحامين، العائلات، وحتى بعض السجناء الذين ما زالوا في أماكنهم، وهم يراقبون مصيرهم المحتمل بقلق وحذر
إنّ إبعاد السجين عن أسرته لا يُختزل في مجرد تغيير لموقع الاحتجاز، بل هو وجع إضافي يُلقى على كاهل العائلة، يتسلّل إلى تفاصيلها اليومية ويثقل أنفاسها: أمّ تُرهقها الطرقات الطويلة، وزوجة تقاسي مرارة البُعد، وأبناء يُربّون على الغياب ويكبرون على حرمان اللقاء، وإخوة تزداد المسافة بينهم وبين من يحبون
تتحوّل الزيارة إلى معاناة متكرّرة، تُستنزف فيها المشاعر، ويُستَهلَك فيها الجهد، وتُمسّ فيها الكرامة
لكن الأخطر من ذلك، أن هذه النقلات تعصف بحقّ الدفاع في جوهره وعمقه. فحين يُنقل الموقوف إلى سجن يبعد مئات الكيلومترات، كما في سليانة أو برج الرومي أو الناظور، فإنّ الضرر لا يطال السجين وحده، بل يمتدّ إلى المحامي نفسه، الذي يُجبر على هدر الساعات في الطرقات، ويتعذّر عليه التواصل الدوري مع موكّله، وتتقلّص قدرته على متابعة الملف كما ينبغي
بهذه الطريقة، لا يُقيّد السجين فقط، بل يُقيَّد حقّ الدفاع في أعمق تجلياته
الأستاذ سامي بن غازي