إنّ أصل الدّاء النازل ببلادنا إلى الحضيض منذ 2011 اجتماع مصيبتين : المصيبة الأولى تصارع أحزاب فاشلة على السلطة ترتقي إلى الحكم بإطعام الأفواه الجائعة، و المصيبة الثانية تمكين شعب جائع جاهل عاجز، في مغلبه، أو شعب يائس متملّح من الاقتراع باسم الدّيمقراطيّة. فكان الفوز بالسلطة دائما لمن زقّق أكثر و من أطعم أكثر و حتّى بيضة الدّيك التّي سلّم الشعب فيها السلط الثلاث لحزب نداء تونس كانت بيضة : حارمة
و اعتقادي بعد هذا التدخّل الشعبي و الرئاسي لإيقاف النزيف أنّ هذا التجميد لدواليب الدّولة لن يكون مثمرا إذا عدنا مع هذه الأحزاب المخرّبة إلى طاولة الحوار و عدنا إلى حربوشة التوافق و التفاهم التّي لن تجدي نفعا، كما أنّ دعوة الشعب إلى انتخابات سابقة لأوانها لن تكون إلاّ دعوة هذه الأحزاب المطرودة من الباب إلى أن تعود لتدخل من النافذة بنفس الطُعم و نفس المخزون الانتخابي و ستعود البلاد إلى ما كانت عليه و كأنّ شيئا لم يكن
و اقتراحي، باسم تصحيح المسار أو باسم الانقلاب كما تشاؤون، أن تتولّى هذه الوقفة التصحيحيّة مراجعة الشروط اللازمة لتكوين الأحزاب و الجمعيّات، و أن تكون لها الشجاعة في إلغاء الجمع بين السياسة و الدّين و الجمع بين السياسة و الأعمال الخيريّة. و أن تكون لها الشجاعة لوضع التراتيب الدقيقة و المراقبة الشديدة للحملات الانتخابيّة و عمليّات التصويت و فرز الأصوات حيث تشترى الأصوات، كما هي العادة، بالترغيب و الترهيب. عسانا بذلك نحقّق نصيبا من العدالة السياسيّة
لا نخدع أنفسنا، فلسنا بلدا ديمقراطيّا، نحن بلد يحبّ أن ينتهج نهج الديمقراطيّة، فوجب أن نراعي حقيقة وضعنا و أن نتّخذ له السبيل المناسبة. و في انتظار ذلك فإنّ ذئابا تتربّص بالنوايا الحسنة في بلادنا و تكتسح الساحة و تقطع الطريق على الكفاءات التونسية الغيورة على وطنها و وجب اغتنام هذه الفرصة التّي قد لا تعود لوضع القوانين الرادعة لهذه الذئاب من النهش في عظام العباد حتّى يأتي الله لنا بالفرج
الدكتور الهادي جطلاوي