عقدت منظّمة أنا يقظ اليوم الخميس ندوة صحفيّة تتعلّق بالمستجدّات الطارئة على السّاحة القضائيّة بعد صدور المرسوم عدد 11 لسنة 2022 مؤرّخ في 12 فيفري 2022 يتعلّق بإحداث المجلس الأعلى المؤقّت للقضاء
حيث تؤكّد المنظّمة على مواقفها السّابقة واللاّحقة للإعلان عن التدابير الاستثنائيّة 25 جويلية، الّتي طالما تطرقت من خلالها إلى مشاكل المنظومة التونسيّة على المستوى التشريعي والتنفيذي والقضائي، وتعبّر عن إيمانها الرّاسخ بدولة القانون والمؤسسات الّتي لا ترتكز فيها حقوق وحريات المواطن على الأشخاص بل على ضمانات مرسّخة وسلط تظاهي بعضها البعض في الأهميّة وتراقب بعضها البعض وتكرّس مبادئ الشفافيّة والنزاهة والمساءلة والعقاب
كما تشير منظّمة أنا يقظ إلى أنّ مواقفها من التطوّرات السياسيّة في السّاحة القضائيّة مبنيّة على أساس عمليّ وتطبيقي نابع من تجربتها مع القضاء التّونسيّ من خلال الالتجاء إليه بجميع أصنافه (العدلي، الإداري، المالي) والإشارة إلى الفساد في صفوفه، حيث رفعت منظّمة أنا يقظ أكثر من 50 قضيّة أمام المحاكم التونسيّة هذا دون اعتبار نزاعاتها أمام هيئة النفاذ إلى المعلومة الّتي تمثّل 20% من الملفات المعروضة على الهيئة
وبالتّالي فإنّنا ندرك أشدّ الإدراك واقع المتقاضي التّونسي، بل أكثر من ذلك فنحن وبعد كشف المنظّمة لملفّات حارقة تهم الشأن العام وتخصّ العديد من الأشخاص الفاعلين في السّاحة السياسيّة والاقتصاديّة والرياضيّة، شهدنا كلّ محاولات التوظيف السيّاسي والضغط والتأثير والتلاعب والتواني في تطبيق القانون الّتي سلّطت على القضاء أو من قبله
وعليه يهمّ منظّمة أنا يقظ أن تعبّر عن موقفها من حلّ المجلس الأعلى للقضاء المحدث بمقتضى القانون عدد 34 لسنة 2016 الملغاة أحكامه
أوّلا- منظّمة أنا يقظ مع إعفاء أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ولكنّها ضدّ هدم المؤسسة الدستوريّة. وأنّ « حلّ » المجلس الأعلى للقضاء ليس حلاّ « لمعضلة » العدالة
ثانيا– تعتبر أنّ الهيكل المقترح من قبل السيّد رئيس الجمهوريّة بإحداث « المجلس الأعلى المؤقّت للقضاء » بديل هزيل وهو مؤسسة غير قادرة على إصلاح القضاء، بل انّه يندرج في إطار عدم جاهزيّة الدولة لتقديم بدائل ترتقي لمستوى انتظارات المواطنين من السلطة
ثالثا– تؤكّد أنّ أهم أسباب فشل المجلس الأعلى للقضاء المنحل هو بناؤه على أساس الولاءات والمحاباة بين القضاة والأحزاب والهياكل التمثيليّة للقضاة الّتي طالما دفعت نحو وضع ذوي الشبهات في مناصب قضائيّة حساسة، بل أكثر من ذلك فإنّ القطاعيّة « القبليّة » بين القضاة كانت سببا في إفلات القضاة المجرمين من المحاسبة والعقاب
رابعا– تحذّر من تجميع السّلط في يد واحدة، وتؤكّد أنّه لا ضمان إلاّ بالمؤسسات الدائمة، وأنّ أي إصلاح متوقّف على الأشخاص يمكن أن يتحوّل إلى سلاح قمع وسلطويّة، فما جاء به المرسوم عدد 11 من أحكام منظّمة للقضاء يحتوي على عديد الهنات والخروقات وهي
الفصل 1: لا يمنح للمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء سلطة ترتيبيّة في مجال اختصاصه وبالتّالي أصبح رئيس الجمهوريّة يحتكر السلطة الترتيبيّة بناء على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021،
الفصل 2: بالرجوع إلى تركيبة المجلس الأعلى المؤقّت للقضاء، نتبيّن أن كلّ أعضاءه معينين إمّا بصفتهم أو بترشحهم مما يلغي كلّ تمثيليّة للقضاة ويمحي المشروعيّة الإنتخابيّة الّتي كان يتمتع بها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنحلّ، حيث أنّ تعيين القضاة المتقاعدين عائد للسلطة التقديريّة وقرار رئيس الجمهوريّة في مقابل غياب كلّ ضمانات الإستقلاليّة خاصّة وقد عهدنا أن تعيينات رئيس الجمهوريّة مبنيّة على أساس الولاء والطاعة،
بخصوص التركيبة، تعتبر منظّمة أنا يقظ أنّ القضاة الّذين سيعينون بصفاتهم أغلبهم أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء المنحل، وأنّهم ذاتهم لم يقدّموا أي مقترحات لإصلاح القضاء ولم يسهموا في تطويره بل على العكس على امتداد مدّتهم النيابيّة لم يقوموا بوضع حتى النظام الأساسي للمجلس فمالّذي سيجعلهم يحترمون آجال مرسوم الرئيس والحال أنّه سيكونون اليوم عرضة للضغوطات من قبل زملائهم ومنظوريهم،
الفصل 9: يحجّر على القضاة الإضراب وهو ما يخالف أحكام الفصل 36 الوارد بالباب الثّاني من الدستور، وهنا نتعجّب لم يقسم قضاة المجلس الأعلى المؤقّت للقضاء على الدستور والحال أنّهم عيّنوا بمقتضى مرسوم يخالف أحكامه؟ بل أكثر من ذلك فإنّ المرسوم عدد 11 يخالف أحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المتعلّق بتدابير استثنائيّة الّذي ينص في فصله الرّابع على أنّه : لايجوز عند سنّ المراسيم النيل من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة بالمنظومة القانونيّة الوطنيّة والدوليّة
الفصل 16: يطرح إمكانيّة سحب الملفات من التفقديّة العامّة لوزارة العدل من قبل وزير العدل الّذي له أن يعهّد بها المجلس المؤقّت للقضاء العدلي مما يخرق مبدأ الفصل بين سلطة البحث والتتبع وسلطة القرار والحكم
الفصل 20: يمنح سلطة إعفاء القضاة لرئيس الجمهوريّة دون أي أدنى سلطة تقديريّة للمجلس الأعلى المؤقّت للقضاء الّذي لا يمكنه الإعتراض عى طلب الرئيس، وله فقط أن يوقف القاضي المعني عن العمل فورا في مخالفة صريحة للفصل 107 من الدستور الّذي يمنح سلطة اعفاء القضاة للمجلس الأعلى للقضاء،
الفصل 29: لا يحدد المرسوم عدد 11 أيّ إجراءات أو سقف زمنيّ لارساء المجلس الأعلى للقضاء. وهنا نذكّر أنّ لدولتنا عهد طويل مع الهياكل المؤقّتة الّتي تدوم ومثال ذلك الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين والهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد
ختــــــــــــــــاما، نذكّر رئيس الجمهوريّة أنّ فشل منظومة العدالة في تونس ليس مسؤوليّة القضاة وحدهم بل إنّه يتحمّل مسؤوليّة ما آلت إليه العدالة في بلادنا على حد السواء، فهو رأس السلطة التنفيذيّة الّتي ساهمت في ضياع حقوق المتقاضي التونسي بتواطؤها وفسادها، فالقضاء مسؤول عن إصدار الأحكام ولكن ليس مسؤولا عن تنفيذها،فلا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له
توصيات منظمة أنا يقظ حول الإصلاحات الضرورية لمنظومة العدالة
انطلاقا من واقع تجربتها وتعاملها مع مختلف مكوّنات منظومة العدالة التونسيّة، توصي منظمة أنا يقظ بـــــــــ
ضرورة القطع مع مفهوم « مرفق القضاء » الّذي يحيل إلى كون القضاء مرفق عمومي يحتاج « الإدارة » لتسييره بكل ما يحيل إليه مصطلح إدارة من ارتباط بالجهاز التنفيذي. إنّ القضاء سلطة واستعمال لفظ سلطة يسهم في ترسيخ استقلاليته
البتّ في كل مطالب رفع الحصانة المقدّمة ضدّ قضاة والبتّ في كل الملفات المتعلقة بالقضاة على المستوى التأديبي في مرحلة أولى وإحالة ما يستوجب منها ذلك إلى النيابة العمومية
توسيع قائمة الأشخاص المعنيين بنشر مضمون التصريح بالمكاسب والمصالح ليشمل القضاة وخاصة القضاة من الرتبة الثالثة مع ترتيب الجزاءات القانونية لعدم التصريح أو النشر
إحداث خلايا فصل سريع في كل المحاكم للبت في قضايا الإضرار بالإدارة والقضايا المرفوعة ضد القضاة والسياسيين والنواب والوزراء وغيرهم من الأشخاص المتدخّلين في اتخاذ القرار
رقمنة الخدمات القضائية: توفير إمكانية إيداع القضايا عن بعد/ توزيع القضايا على الدوائر يتم بصفة آليّة دون تدخل رؤساء المحاكمالذي يحافظون على صلاحيتهم في تعيين رؤساء الدوائر
إرجاع الاختصاصات ذات الطابع الإداري إلى المحكمة الإداريّة مثال: النزاعات الجبائيّة ونزاعات الضمان الاجتماعي ونزاعات الانتزاع من أجل المصلحة العامة للتخلص من ظاهرة تكدّس الملفات لدى المحاكم العدلية مع ضرورة الشروع في تنفيذ البناء الدستوري للقضاء الإداري (محاكم إدارية ابتدائية، استئنافية وتعقيبيّة)
تحديد مؤشّر عدالة (قاضي على كل عدد ملفات) ممّا يمكّن من تحديد دقيق للنقائص والاحتياجات
القضايا الّتي تحال على « القطب » هي نزاعات تتجاوز قيمتها مقدارا معيّنا ويغير أسمه ليصبح « محكمة مكافحة الفساد ». محاكم مكافحة الفساد يمكن أن تتخذ أي شكل مثلا: قاض فردي (قاضي مكافحة الفساد مثل قاضي الأسرة أو قاضي السجل التجاري …) أو دائرة قضائيّة مختصّة أو محكمة بدرجتين للتقاضي[1] مع وضع قواعد تتماشى وقضايا الفساد على مستوى الإجراءات ووسائل الإثبات وآجال التحقيق وإصدار الأحكام
تغيير رئاسة محكمة التعقيب والمحكمة الإدارية لتكون ذات رأسين (في صورة تناقض الآراء يستعان برأي المستشار الأكثر خبرة وأقدميّة) وذلك لتجنب حالات الفساد والحياد عن مبادئ النزاهة والاستقلالية فكلّ من يحتكر سلطة اتخاذ القرار ويتمتع في نفس الوقت بسلطة تقديريّة في اتخاذه في ظلّ غياب آليات مساءلة ناجعة يميل بالضرورة إلى خطر الوقوع في الفساد
تعديل قانون المحكمة العسكرية بتحديد اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم العسكرية التي يرتكبها عسكريون دون سواها ومنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكريّة
إعداد ميثاق أخلاقيات مهن العدالة مع الحرص على احترامه وتشديد العقوبات التأديبية المنطبقة على مكونات منظومة العدالة في تونس من قضاة وعدول تنفيذ وعدول إشهاد ومحامين وخبراء وكتبة محاكم وأعوان الضابطة العدلية
تحجير مباشرة مهنة المحاماة وعضوية المجالس النيابية بالنصوص الإطارية لمهنة المحاماة وبقية النصوص على غرار القانون الانتخابي وكذلك قانون تضارب المصالح والنظام الداخلي للمجلس النيابي
تبني قانون يتعلّق باستعادة ثقة المواطنين في منظومة العدالة يؤسس إلى تكريس قيم الشفافيّة والنزاهة الحقيقيّة من خلال القطع مع سياسة التعتيم مثلا تسجيل وعرض المحاكمات مع ضمان الحق في الصورة والحق في النسيان وحماية المعطيات الشخصيّة
[1] أمثلة المحاكم المختصة في مكافحة الفساد موجودة في عديد الدول مثل اندونيسيا وكينيا والفيليبين وسلوفاكيا وأوغندة