ميشال بوجناح بين المطرقة و السّندان

لست أدري إن كان من نِعم الله علينا، معشر التونسيين، أم من نقمه، أنّنا كنّا، على مرّ السنين، بلدا موحّدا لا يكون التونسيّ فيه إلاّ عربيّا مسلما و ما عداه فأجنبيّ دخيل و عابر hedi jatlaouiسبيل. فلم نكن نفهم في شبابنا كيف يكون المصريّ العربيّ مسيحيّا قبطيّا و لم نكن نفهم ما يجري في الشام و في لبنان حيث يسمّى العربيّ بأسماء إفرنجيّة و كيف يكون اللّبناني على غير الجنس العربيّ و على غير الدين الإسلاميّ فكانت العروبة و الإسلام متلازمين و كان الوطن حاضنا لهما من المحيط إلى الخليج. و ليس الخلاف اليوم حول انتساب ميشال بوجناح إلينا إلاّ ضريبة ندفعها لمفاهيمنا الضيّقة المتكلّسة الذي تربّينا عليها التّي تخلط بين الأصل و الدين و الوطن و تطالب بالأحديّة بينها جميعا و ترفض مبدأ التنوّع فيها و إمكانيّة الاجتماع في اختلافها
لقد اعتدّ ميشال بوجناح في فرنسا بأنّه يهوديّ تونسيّ بل بأنّه تونسيّ يهوديّ و لم يكن الأوّل و لن يكون الأخير و لكنّي استمعت إليه في مناسبتين تلفزيتين ( انظر أسفله ) يبدع في التعبير عن اعتزازه بوطنه الأوّل الأصليّ تونس. و كان في تينك المناسبتين متصرّفا تصرّفا تخييليّا بديعا في سفر التكوين فادّعى أنّ الله تعالى عندما خلق الإنسان بدأ بخلق التونسيين و أنّه خلق بقيّة الخلق في مرحلة ثانية و بما بقي له من الطين بعد ما كرّم التونسيين بباكورة طاقته و خلطته. لقد ضحك الحاضرون من هذه الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام و أدرك الناس مدى حبّ ميشال بوجناح لتونس و للتونسيين مهد طفولته و محطّ اعتزازه. و هذه دعاية لتونس لم يكن بوجناح مجبرا عليها و لم يكن متحرّجا من تفضيل التونسيين على سائر خلق اللّه
غير أنّ بوجناح تونسيّ يهوديّ فيكون من التعسّف على الرجل أن ننكر عليه نسبته الدينيّة اليهوديّة التّي كثيرا ما كان منتقدا للبالي من عاداتها و طقوسها، و من التعسّف على الرجل أن ننكر عليه زياراته إلى إسرائيل و نشاطه الفنّي بها، و من التعسّف على الرجل أن نطالبه بالانتساب إلى العروبة وحمل لوائها و همومها فهو لا ينتسب من بين العرب إلاّ إلى تونس فإذا كانت تونس بلدا عربيّا منتصرا لقضايا العروبة فإنّ بوجناح ليس عربيّا و إن كان تونسيا لأنّه ليس كلّ عربيّ مسلما و ليس كلّ عربيّ تونسيّا و ليس كل تونسيّ مسلما و ليس كلّ تونسيّ عربيّا و إذا ببوجناح يقاسمنا تونستنا أي ما به كنّا تونسيين و تونستنا التي يشاركنا فيها اليهود و النصارى و غير اليهود و النصارى هي أخلاقنا و روحنا التونسيّة المرحة الذكيّة و تعاطفنا و تواددنا و ما لست أدري من السمات التي تحسّ بها في الشخص فتقول له: أنت تونسيّ
و مع ذلك، و رغم ما قد يبدو للبعض ضربا من التعاطف مع اليهود و ربّما، في ضرب من المبالغة، مع الإسرائليين من خلال التوقيع على لوائح معارضة لمقاطعة إسرائيل، فإنّ بوجناح لم يكن أبدا صهيونيا و لا يمكن للفنّان و للمثقٌف أن يكون صهيونيا بل كان بوجناح من الدعاة إلى السلام وهو يوظّف إبداعه في هذا الاتّجاه. و ربّما حفّزته الزوبعة المثارة حول زيارته لتونس على المضيّ قدما في هذا الاتّجاه
إنّ ميشال بوجناح تونسيّ فنّان عاشق لتونس و خادم لها الخدمة التي لا يؤدّيها لها الكثير ممّن يساومون بوجناح في وطنيّته التونسيّة و من أنتم حتّى تحولوا بين المرء و بلده و بين المبدع و فضائه خاصّة إذا كان هذا المبدع هو ميشال بوجناح في طيبته و أخلاقه التونسيّة العالية

الهادي الجطلاوي

**********