معارك « الإمامة » في تونس زمن الكورونا

يوميات الحجر الصحي الشامل- اليوم السادس من الشوط الثالث- السبت 25 أفريل 2020

معارك « الإمامة » في تونس زمن الكورونا

يبدو أن تونس مرشحة للتحول الى مسرح تتنافس فيه عديد الزعامات لقيادة « اسلامها السياسي ». فبعد أن خطط الشيخ العائد من لندن ليكون في منصب زعيم حزب « الاسلام المعتدل  » وأن يضع الى جانبه « حزب الاسلام الغاضب » الذي رأيناه يتفهمه تاره ويقول أنه يذكره بشبابه كما رأيناه يعمد أحيانا الى التملص منه ويقول لنا أن المتشددين صنعهم بن علي عندما وضع مناضلي النهضة في السجون وشردهم في المنافي . وبطبيعة الحال فالهدف واحد
وهو البروز كإمام « الاسلام المعتدل » . فما هي الوضعية الآن بعد أن اعتلى السيد راشد الخريجي الغنوشي منصة البرلمان وتخلى مريدوه تدريجيا في ذكر اسمه عن نعته بالشيخ كما عودنا تدريجيا على الظهور في كل المناسبات بربطة العنق التي لم تعد تفارقه ولايفارقها بعد أن كان « يكفر » بها من منطلق ديني شأنه في ذلك شأن كفر الدكتور المرزقي بها من موقع « ثوري » هذه المرة
وفي هذا الاطار استوقفني مقال طريف للصديق حسان العيادي صدر في جريدة « المغرب » بتاريخ 23 أفريل تحت عنوان « معارك » الإمامة  تناول فيه بالمقارنة كلمتي كل من السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس نواب الشعب الى الشعب التونسي بمناسبة حلول شهر رمضان مستنتجا أن تونس تشهد تنافسا على الإمامة. رأى السيد العيادي أن الرئيس تحدث الى التونسيين من »موقع عاطفي » ومن « منطلق المرشد والامام » الباحث على حث التونسيين على التضامن للانتصار على جائحة الكورونا . كما تطرق الرئيس الى وصف شخصية التونسي حيث ذكر أن الكوفيد 19 سمح بكشف معدن التونسي المتميز و الذي أطنب في وصفه بالكثير من العبارات التي تستهويه قبل أن يقتحم مجال التفسير الديني في شرحه لأسباب إقرار الحجر الصحي الشامل وحظر الجولان ليبوبهما في خانة « مقاصد الاسلام ». ويضيف السيد العيادي أن الرئيس وظف في خطابه زاده اللغوي ونبرة صوته ليلبس جبة « الامام » (دون أن يلبس جبة الامام ولا عمامته) و »مرشد الأمة » (رغم أنه منتخب عكس مرشد الأمة في ايران) فكان الخطاب « مفعما بالمفردات الإيمانية والدعوية والتربوية » . كما تعرض الصحفي بالتحليل من جهة أخرى الى كلمة السيد راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب بنفس المناسبة ليشير منذ البداية الى اختلاف بين الكلمتين في مستوى المدة الزمنية التي استغرقتها كل واحدة منهما. فكلمة رئيس الجمهورية رغم أنها كانت في احد ممرات القصر الجمهوري قد تواصلت 12 دقيقة أما كلمة السيد رئيس مجلس النواب فلم تدم سوى ثلاث دقائق. ومن حيث المضمون لم تخرج كلمة الغنوشي عن المجال الديني شأنها في ذلك شأن كلمة الرئيس لكن الغنوشي كان أوضح عندما تحدث عن « ضرورة الوحدة الدينية ». وهنا نرى المسؤول الأول عن المجلس التشريعي في بلادنا يبدع في التأقلم مع الأوضاع . فبعد أن كان قد أمضى منذ أيام معدودات بيانا مشتركا مع أهم قادة أحزاب العالم – بقطع النظر عن مرجعياتهم الدينية والسياسية- بمبادرة من الحزب الشيوعي الصيني تمت الدعوة فيه الى الاتحاد باسم العلم في مواجهة الكوورنا نراه يؤكد في كلمته بمناسبة حلول شهر رمضان على « الوحدة الدينية » التي راى فيها شرطا من شروط الانتصار على الكورونا (أو الكورينا كما ورد في رواية أخرى). وما دمنا في مجال البحث في مدى طغيان المنحى الديني الامامي في الخطاب السياسي التونسي في زمن الكورونا رأينا من المفيد البحث في سيمياء كلمة أحد الناطقين باسم « الاسلام الغاضب » الذي يذكر السيد الغنوشي بشبابه , رأينا من المفيد البحث في ما قد يكون صرح به واحد من رموز هذا التيار بنفس المناسبة (حلول شهر رمضان) . وفعلا وجدنا ضالتنا في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بالفايسبوك في نفس اليوم الأربعاء 22 أفريل 2020، الذي تكلم فيه الرئيسان . لقد جادت بهذه قريحة الامام السابق لجامع اللخمي بصفاقس السيد رضا الجوادي النائب حاليا بمجلس نواب الشعب . لم تختلف كلمته بهذه المناسبه عن خطبه الثائرة سابقا في الجامع والمتشددة حاليا في المجلس. فقد واصل النهل من نفس قاموس الخطاب المتكرر في الدفاع عن الاسلام و اعتباره في خطر. لكن الخطر الجديد الذي أراد تنبيه الشعب التونسي منه هذه المرة هو « الهجوم الشيعي » . لقد حذر الامام-النائب من هجوم مكثّف « غير مسبوق لصفحات شيعيّة مموّلة على الفايسبوك، لإفساد عقيدة التونسيين و ايمانهم و تدينهم بأفكارهم المسمومة », و فسر الامام -النائب الهجوم بقوله « أن مرتزقة إيران في تونس مرّوا إلى خطة جديدة رمضانية لإفساد تديّننا واستكمال تخريب ما لم تقدر عليه فرنسا وأذنابها الفرنكوماسون  » . ودائما حسب تدوينة الامام-النائب « الخطر يداهم الإسلام ليس في تونس فقط، بل هو في خطر في سوريا و العراق أيضا حيث واصل الامام -النائب تدوينته بالقول « أن الشيعة المرتزقة لإيران سيطروا على العراق بدعم أمريكي، وسيطروا على سوريا بدعم روسي، ويريدون السيطرة على تونس بدعم فرنسي. » هكذا نرى أن « معارك الامامة » مرشحة لمزيد البروز على الساحة التونسية رغم أننا اعتقدنا أن الدستور التونسي الصادر في جانفي 2014 حسم الأمر لفائدة الدولة المدنية وحسم بدون رجعة مع الراي الداعي الى اعتماد الشريعة

لماذا لا نعبر عن اعترافنا بالجميل -عمليا- الى جيشنا الأبيض ولرجال الأمن والجيش؟

لا يخلو حديث رسمي وشعبي من من التعبير الكلامي عن تقدير المجموعة الوطنية لجيشنا الأبيض لكن السؤال المطروح كيف نجمع بين التقدير الرمزي وهو هام ونجسده أيضا بطريقة عملية؟ يعتبر أغلب المواطنين مساهمة كل التونسيين في الحرب ضد الكورونا أمرا ضروريا من أجل القضاء على الوباء وعليه استحسنوا الأمر الحكومي القاضي بخصم يوم عمل من أجور الموظفين العاملين في القطاع والخاص. و نشاطر في هذا الصدد نعبر على مساندتنا لرأي الصديق هشام سكيك والذي كان قد نشره في موقع « كابيتالس » والذي عبّرفيه عن أسفه الشديد لقيام الدولة بخصم يوم عمل لصنف من الموظفين الذين يحاربون الوباء في الصف الأوّل شأنهم رجال الأمن . ونحن مثله نعتبر انه بمثل هذه الاجراءات نعبر عن اعتراف المجموعة الوطنية لهم بالجميل لما تبرعوا به من تضحيات لتخفيف ألامنا ….قد يؤجل تنفيذ مثل هذا الاقتطاع نظرا للظروف المالية الحالية لكن يمكن أن تتعهد الدولة بإرجاع في قادم الأيام ما اقتطتع لهم- من جراية يوم عمل لنجسد من خلال تلك الحركة عن شعورنا ازاءهم من الآن على الأقل. إلا أننا ومع الأسف نرى أن مثل هذه الاقتراحات لا يتم أخذها بعين الاعتبار ولا حتى الحديث عنها. وفي هذا الاطار فوجئنا -على سبيل المثال لا الحصر- بخصم مبلغ كبير من أجور الأطبّاء المقيمين حيث يتجاوز المبلغ الذي خصم بكثير الأجر اليومي الذي يتقاضاه الطبيب. على سبيل المثال يتقاضى الطبيب المقيم 1400 دينارا شهريّا خصم منها 180 دينار و لا يسعنا إلا ان تستغرب من هذا التعامل مع الاطار الطبي الذي يتصدّى للوباء في الخطوط الأمامية معرّضا في بعض الأحيان سلامته للخطر

بقلم الدكتور حبيب القزدغلي

اضغط هنا لقراءة اليومية كاملة