لَسْتُ سلعة بسوق النخاسة، بل عظيمة أنا

لم يخف الإخوان بتونس عزمهم على مراجعة أنفسهم، ولم ينفكّوا عن تسويق أنّهم رسل « الإسلام المعتدل والمتسامح » فصفّق لهم الفرنسيون والألمان وحلفاؤهم الأمريكان…. بل فرضوهم علينا قسرا.وفي وَهْمِ الجميع أنّهم صمّام الأمان للحدّ من التطرّف والغلوّ المستشري في العالم. وكدنا للحظة نشكّ في مسلّماتنا وفيما بات عالقا بأذهاننا من صنف أنّهم أوفياء لمبادئهم، وأنّ ما يمرّون به في هذه الفترة الحاسمة ليس سوى مناورة تقتضي منهم إخفاء إستراتيجيتهم التي لأجلها قامت فرقتهم. بل انبرى البعض منّا يستدلّ على أنّهم فارقوا منطلقاتهم، وعلينا أن نتعامل معهم باعتبارهم زعماء إصلاح يطمحون بحزبهم إلى أن يساوق مقتضيات العصر الحديثة. لكن، وكما يقول أجدادنا  » الكذاب اصبر ساعة واسألو »، ولعلّ في التصريحات التائهة والمتمرّدة على الخطاب الرسمي ما يشي بحقيقة ما يضمرون، ويدعو الإنسان إلى التريث في إصدار الأحكام والتبرّم من مستقبل هذه البلاد ومثل هؤلاء يسطّرون سياستها ويخططون برامجها. إشارات كثيرة تصدر منهم، وهي تعبّر بصدق عن أنّ الإخوان بتونس لم يغادروا مبادئهم الإخوانية البتّة، وواهمٌ ساذجٌ من اعتقد في مقالاتهم وصدّقهم. وسأقف اليوم عند إشارة أطلقها شيخهم، تفيدنا برسائل جمّة وتقتضي منّي التنبيه إلى نتائجها الخطيرة

قدّم السيد الغنوشي بالإذاعة الوطنية تعريفا لدور المرأة كما يراه هو الزعيم الأوّل بحركة نهضة الإخوان بتونس، أي موقف رجل نعتقد جميعنا أنّه ينافس السيد قائد السبسي في نفاذ القرار، بل لعلّه اليوم صار يتصرّف بحرية أكثر بما أنّه يختفي تحت جبّة النداء، ويراجع سياسته تأهّبا لتحديات قادمة تنتظر البلاد. قالوا لنا: تغيّرت سياسة النهضة، فقلنا مرحى، مرحى أراد الله بنا خيرا. قالوا لنا إنّ زعيم النهضة سيعلن عن مراجعات مؤلمة في حزبه، قلنا: ذاك هو المنتظر حتى ينصهر هذا الحزب فينا. قالوا لنا : إذن عليكم بالصمت حتى نساعده في محنته، قلنا وسنكون له خير سند. وبقدرة قادر تنزل علينا عبارات زعيم النهضة أوّل أمس نزول الصاعقة. وبقينا جامدين بل عاجزين عن التعقيب، نبحث عن علامات تبعث فينا شيئا من الشكّ في صحّة ما قال: فهل يعي الغنوشي حقّا ما يقول عندما يحصر وظيفة المرأة في « الجنس » و »الانجاب » ،على حدّ تعبيره ؟ هل إنّ هذا الشخص يعيش معنا نحن التونسيين والتونسيات في سنة 2015؟ ألم يتعظ من هفوات لسانه السابقة في الصائفة الماضية؟ كيف لنا أن نتعامل مع أتباعه من الرجال والنساء إن كان شيخهم يحمل في صدره هذه المبادئ؟ بل هل يعي فعلا خطورة مثل هذه التصريحات؟ باختصار شديد اقول: إنّ مرض الإسلام اليوم كامن فيمن  » يتشيّخ » ، وفيمن يعتقد أنّ سلب المرأة إنسانيتها علامة من علامات الإيمان. إذ هل هناك فرق بين من يحصر وظيفة المرأة في الجنس والإنجاب وبين من يسخّرها لجهاد النكاح؟ بين من يسوّق هذه الفكرة ومن يعتبرها « وعاء الرجل »، وعلينا أن نفهم هذه العبارة الفقهية، فهي وعاء يحفظ كلّ سائل ذكوريّ من اللعاب إلى المنيّ. واعذروني على صراحتي فقد ضاق الصدر وانطلق اللسان. المرأة يا سادتي حسب تعريف الغنوشي ليست سوى عضو ناشط في الجماع وكفى ، وإذن، فعلينا أن نتبنّى جميع التبعات الفقهية من جواز وطئ الصبيّة ، « لأنّها أمتع للوطء »، مثلما علينا أن نعمل بالمقالة الفقهية التي تحيل على التقاعد كلّ امرأة رتقاء أو قعدد أي الكهلة التي لم تعد قادرة على الإنجاب. وفي هذه المسألة بالذات، أسأل الغنوشي عن الرجل المجبوب أو العاقر أو ذاك الذي يفضّل الغلمان على النساء حسب تعبير الفقهاء ؟ هل نقصي هؤلاء من المجتمع؟ ونهمّشهم مثلما همّش المرأة التي تحمل عاهة؟ وعندئذ ألا يكون قد أسهم في تقسيم المجتمع إلى طبقة الفاعلين جنسيا وأخرى نسميّها بالعاطلين جنسيا؟

يئسنا من إقناعكم أنّ المرأة إنسان قبل كلّ شيء ، إنسان يحسّ مثلما تحسون ويفكرّ مثلما تفكرون ويشتغل مثلما تشتغلون وينتج مثلما تنتجون، يئسنا من الاستدلال بأنّ المرأة صارت تكفل عائلات بما فيها الزوج. بل قد تفضل الكثيرين بالصبر وطول النفس

كيف لشيخ النهضة أن يراجع مسلماته ومنطلقات حزبه وهو يجدّد بين الحين والآخر بيعته للإخوان الأمّ؟ لماذا نطالب دوما بالسكوت عن زلات لسانه و إخفاء أشعّة الشمس بالغربال؟ ألم يعلن الغنوشي بهذا التصريح عن تزكيته لمبادئ اتحاد علماء الإخوان ؟ وهو المعتبر الرأس الثاني بعد القرضاوي. وأذكّر في هذا السياق بالبيانات التي لم ينفكّ عن إصدارها منذ ربيع 2013 وإلى يومنا هذا، بيانات تهاجم المرأة في إنسانيتها وتحاصر بنود اتفاقية السيداو، ولعلّ أهمّ ما يميّزها تركيزهم على أنّ المجتمع قائم على أساس ثنائية الذكر/ الأنثى، أي على أساس الجماع والإنجاب لأنّ الذكورة والأنوثة تشمل البشر والحيوان على حدّ سواء. اليوم يسعى الغنوشي إلى تقزيم المرأة وغدا سيأتي دور الرجل العادي ليحتكر هو ومن استولى على كرسي الحكم أهمّ مقوّم يسيّر الأحكام السلطانية بالبلاد وهو مبدأ « ولاية الأمر » . وبذلك تتوزّع الأدوار وتغمرنا خيمة الإخوان جميعا، « وكلّ فول لاهي في نوّارو »: الشعب ينكح كما شاء له أن ينكح، الرجال بحريمهم والنساء آهلات للنكاح مادمن مستعدات للجماع والإنجاب. وأمّا عن الملوك فلا تسأل إذ بيدهم مقاليد الدولة ولا معارض ولا ناقد. تلك هي المدينة الفاضلة بالنسبة إليهم مدينة قائمة وللأسف أعيدها على أساس نظرية « ما بين السرّة والركبتين » والعبارة ليست لي وإنّما هي فقهية جاهزة. وهذا هو مستقبل أمّة الإسلام، فعن أيّة قيم تتحدثون؟ وعن أية مساواة اجتماعية كاملة تتناقشون؟وعن أية تحديات مستقبلية تتباحثون؟ مستقبلنا جميعا يا سادتي أسير « وِرْكَي المرأة » ومستقبل المرأة نفسها كما نبّه إلى ذلك الغنوشي مرتهن بقيمة هذين الوركين.فهل تجدون عنفا مسلّطا على المرأة أشنع من هذا العنف؟ عنف يخلع عنها ثوب الإنسانية ليلبسها جلد حمير

أسفي على أنفسنا نحن النساء أوّلا، وأسفي على رجال المسلمين ثانيا، إذ كيف تحوّلت اهتماماتهم صراحة إلى إشباع غريزي بهيمي، والغريب أنّه صار مطلبا شرعيا، ينادون به دونما حرج. أبهذه العدّة سنواجه التحديات التي تواجهنا؟ هل مازال لديكم ولو بصيص أمل في أن يراجعوا التحفظات على اتفاقية السيداو؟ بل هل سننعم بيوم نعيش فيه مواطنة شاملة، تغيب فيه الأمراض التي تقعد الرجال والنساء عن العمل والانتاج؟ فكم هو ضعيف السيد الغنوشي أمام المرأة التونسية؟ وكم هي قوية تلك المرأة التونسية أمام هؤلاء الشيوخ؟ولعلّ أفضل تعبير عن استعصائها عنهم فتوى بعضهم بتحريم الزواج بها .أليس في تنظير الغنوشي لدور المرأة دليل عن أنّها عصيّة عليه؟ فإن كان له من فضل بهذا التصريح وبأمثاله فهو أنّه جعل العلاقة الحميمية بين المرأة والرجل في أنبل تجلياتها أمرا مقرفا يبعث على الاشمئزاز. فارفعوا أيدكم عنّا واتركونا بسلام

الدكتورة نائلة السليني