أفراد وجماعات تضغط عاليا لـ «احتكار» الرئيس و«استثمار» مشروعه
* رئيس الجمهورية مدعو الى حسم الأمور وقطع الطريق أمام من يريد الاستثمار في مشروعه كما اتفق أو انتحال صفة الداعم الحصري له فذاك طريق وعرة محفوفة بالمخاطر ولن تؤدي الا الى الردة
* لئن كان وقوف الشقيق مع الشقيق مشروعا بل ومطلوبا اجتماعيا وقيميا فإن واجب التحفظ يفرض على الشقيق حماية شقيقه عندما يتولى اسمى وظيفة في الدولة خصوصا وأن تاريخ البلاد بالذات يزخر بالسوابق السلبية
* اختيار الرئيس لمن رافقه في الحملة الانتخابية التفسيرية لمناصب في الدولة خطوة تفتح التأويل مثلما تفتح « اطماعا » مشروعة لأصحابها فالاصل في الاشياء هو « حق » الاحزاب أو لنقل في الوقت الحاضر الكيانات السياسية المنتصرة
*********
شهد أحد فنادق العاصمة الفاخرة نهاية الاسبوع المنقضي اجتماعا لما صار يعرف بـ«حراك 25 جويلية» والذي يضم كما جاء في واحدة من صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، «قوى شبابية» تعمل على الانضمام لما سمي ايضا بـ«المجلس الأعلى للشباب»، وتقف هذه الجماعات في أغلبها وراء التعبئة الفايسبوكية للتحرك الشعبي الذي حصل يوم عيد الجمهورية والذي أقدم في نهايته رئيس الجمهورية على تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ جملة من الاجراءات
ومن خلال متابعة تطور نشاط هذه الجماعات ومواقف أبرز رموزها، نلاحظ أن فيها كثيرا من أنصار الرئيس قيس سعيد ومن أعضاء حملته التفسيرية وكذلك التنسيقيات المحلية والجهوية التي اضطلعت بدور جبّار في حملة السباق الرئاسي في 2019 و«تطوّعت» للدعاية له وضمان وصوله الى الدور الثاني في مرحلة أولى، والفوز بالدور الثاني بفضل إضافة تزكية أطراف سياسية أخرى انسحب مرشحوها ورأوا فيه خصالا مشتركة رجّحت كفته أمام المترشح الثاني نبيل القروي
ورغم أن اصحاب هذا المشروع السياسي ونقصد به التنسيقيات/الحراك/المجلس، يصرّون على عدم التحزّب ويقفزون على دور الأحزاب وينتقدون ما هو موجود منها ويحمّلونه مسؤولية ما آلت اليه البلاد، إلا انهم يتحركون ضمن إطار منظم قريب وفق التعريف العلمي من الحزب الذي هو في نهاية المطاف منظمة دائمة متجذرة ومهيكلة ومنتشرة في الجغرافيا، تجمع افرادا حول هدف رئيسي هو الوصول الى الحكم والبقاء فيه، وكثير من هذا التعريف نلمسه في المشروع السالف الذكر
في هذا السياق تقول الناشطة بحراك 25 جويلية نصاف حمامي من جهة صفاقس: حراكنا ثابت وموحد، نرفض الحوار مع الاحزاب ولن نرتاح قبل رحيل المنظومة الحزبية وحكم الاخوان ومحاسبتهم
خلط أوراق
ويتقاطع موقف هذه الجماعات مع موقف مدرّس القانون الدستوري قيس سعيد الذي لا يزال الى اليوم يتمسك بالاستقلالية التنظيمية، وبالاستقلالية تجاه الأحزاب أيضا وينتقدها ويحمّلها كذلك المسؤولية في تعثر التجربة الديمقراطية برمتها، لكنه لا يخفي تعاطفه وتعامله الرسمي مع هذه الجماعات بصفاتها ولا يتردد في الحديث عن علاقته بها كما حصل يوم 2 أوت 2021 عندما استقبل بقصر قرطاج السيّدة زكية لطرش الناشطة بالمجتمع المدني بولاية قفصة وتجاذب معها أطراف الحديث عن التنسيقية والحملة التفسيرية عشية انتخابات 2019 في ولاية قفصة ومعتمدياتها المختلفة بوصفها «الناشطة المدنية» الآن و«المشرفة» على الحملة التفسيرية وعلى أنشطتها آنذاك
ليس ذلك فحسب، فقد جاء في توضيح لـ«المجلس الأعلى للشباب» قبل عقد اجتماعه السبت الماضي في صفحته الخاصة : أن المعلومة الوحيدة المتأكدين منها هي مهاتفة الأمن الرئاسي البارحة لمنسقة الحراك بالمرسى ضحى بن رحومة اثر حادثة الطعن بالمرسى وهذه لفتة كريمة من سيادة الرئيس قيس سعيد لشباب تونس
وهذه الصياغة توحي بوجود علاقة أو ربما هي محاولة لاستثمار موقف رئاسة الجمهورية الذي يمكن أن يكون حقيقيا وعاديا بالنظر الى دور رئيس الجمهورية وفق الدستور
ولا ننسى ايضا أن الرئيس قيس سعيد، اختار من ثقاته ممن رافقه في الحملة الانتخابية والحملة التفسيرية لمناصب معينة في الدولة وهي خطوة تفتح التأويل مثلما تفتح «الاطماع» التي قد تكون مشروعة لأصحابها في الظفر بمسؤولية أو وظيفة في الدولة فهذا منطق الاشياء و«حق» الأحزاب أو لنقل في الوقت الحاضر الكيانات السياسية المنتصرة
في نفس الإطار تقريبا، يُطرح السؤال عن مواقف شقيق رئيس الجمهورية الذي يتولى «نيابة» عنه التدوين والتعبير عن مواقف يُفترض أن تصدر مباشرة عن سيادته وهو واضح حين يقول «يلزم ناقفو مع الرئيس وقفة صحيحة … ماكش وحدك قيس سعيّد
العبرة في التاريخ
ولئن كان وقوف الشقيق مع الشقيق مشروعا بل ومطلوبا اجتماعيا وقيميا فإن واجب التحفظ يفرض على الشقيق حماية شقيقه عندما يتولى أسمى وظيفة في الدولة خصوصا وأن تاريخ البلاد بالذات يزخر بالسوابق السلبية.
مهمّ ربما ما يكتبه نوفل سعيد الذي أوضح لنا ما أراده شقيقه قبل زهاء نصف شهر والأهم ما سيأتي بعده: «25 جويلية: 17 ديسمبر ينتفض على 14 جانفي.. ببساطة 25 جويلية هو تحرك شعبي… وليس حراكا… لنتخلص ونتطهر من المفردات السياسية ذات الدلالات السلبية التي أنتجتها عشرية كاملة من المغالطات وصناعة الأوهام ..انطلق قطار 25 جويلية وأُغْلِقت أبوابه… ولا عزاء للانتهازيين… أغلقوا دكاكينكم على سِلَعِكُم الآسنة…فلم يعد لكم زبائن… واتركوا ربيع تونس يفتح حقائبه الخضراء …قولوا عنه ما تشاؤون… قولوا عنه أبطأ في التحرك…حتى أشرفت البلاد على ان لا تكون… شتمتموه.. قرّعتموه.. وصفتموه بما لا يقبله عقل وتصطفيه أخلاق وقانون… ظلّ متحملا صبورا لا يتحرك له سكون.. صبر صبر ايوب… وانتفض مع شعبه على منظومة نكّلت به وتركته حافي القدمين خاوي البطون … كن واثقا يا رئيسي أنّ الشعب قد أدرك اليوم أنّ لحظته قد حانت وانّه امّا أن يحيا عزيزا أو لا يكون.. وسيكون :
واللافت ايضا أن الضغط العالي ومحاولات «احتكار» رئيس الجمهورية إن جاز القول واستثمار مشروعه وبيان السبق في تحقيقه، يصدر ايضا عن جهات سياسية وحزبية اليوم بعضها يقول أنه كان يطالب بما اقدم عليه سيادته وبعضها الاخر بلغ به الامر القول أن سيادته يترجم في الواقع مشروعه وثمة من يتحدث باسمه ويستبق قراراته مثل أحد نواب حركة الشعب الذي دوّن قبل ايام إنه سيتم التمديد في فترة الإجراءات الاستثنائية والبرلمان لن يعود في صيغته الحالية والحكومة لن تمر على البرلمان لنيل الثقة متحديا «وإلى موش عاجبو يشرب من البحر… وسياسة بوس خوك انتهت… وباب المحاسبة سيفتح على مصراعيه… وملحمة 25 جويلية(تفعيل الفصل 80) كان محركها حزب اسمه : حركة الشعب
إن رئيس الجمهورية مدعو في تقديرنا الى حسم الأمور وقطع الطريق أمام من يريد الاستثمار في مشروعه كما اتفق أو انتحال صفة الداعم الحصري له فتلك طريق وعرة محفوفة بالمخاطر ولن تؤدي الا الى الردة، وحسنا فعل يوم الأحد 8 أوت 2021 عندما اعترض على شعارات بعض الجمهور الذي كان حاضرا في مركز للتلقيح وتوجه لهم بالشعار الصحيح وهو «تحيا تونس» بدل الهتاف بأسماء الأشخاص، فهل يتلقفون الرسالة قبل فوات الأوان ويمنعون تكرار سيناريو قديم !؟
بقلم: مراد علالة