لا غالب ولا مغلوب في حرب الشوارع… سيناريوهات حلّ الأزمة تزداد قتامة

على غرار الأحد 8 ماي 2022 «غصّ» شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة بالمتظاهرين يوم الأحد 15 ماي، ومثلما هتف السابقون بحماسة نصرة لرئيس الجمهورية قيس سعيد صاح اللاّحقون ضدّه، ووجد وزير الداخلية نفسه مجبرا على النزول في المناسبتين للميدان، وإعطاء التعليمات لأبناء المؤسسة الأمنية للسهر على ضمان حق التونسيين في التظاهر وكذلك ضمان حق الصحافيين في أداء رسالتهم وتوفير ما تيسّر لهم من الماء ومن «اللمجات» إن لزم الأمر..
وغير بعيد عن شارع بورقيبة، حشدت رئيسة الحزب الدستوري بدورها أنصارها في شارع خير الدين باشا قدّام مقرّ ما أسمته «وكر القرضاوي» أي الفرع التونسي لـ«هيئة علماء المسلمين» بعد أن تم منعها «شفويا» من «الزحف» نحو قصر قرطاج

وخارج العاصمة نظم حزب العمال في ولاية المهدية وقفة احتجاجية ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين تماما مثلما فعل من قبل في سوسة وقفصة وصفاقس وسليانة والعاصمة

واستمر في غضون ذلك تهاطل البيانات والتصريحات الإعلامية عن المنظمات المهنية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، المساندة والمساندة نقديا لـ«المسار» ولهذا الموقف أو ذاك وكذلك المعارضة جزئيا أو كليا، إصلاحيا أو راديكاليا إن جاز القول

هي الديمقراطية على الطريقة التونسية في تونس المنهكة، أو لنقل بشيء من التنسيب هي العملية السياسية السلمية ـ حتى الآن ـ التي يأتيها أصحابها من أجل التأثير في مجريات الأحداث ببلادنا في تقاطع لا نرتاح إليه صراحة مع هذا الاهتمام الخارجي غير المسبوق الذي تسبّبت فيه الأزمة المركّبة الجاثمة منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة والتي تفاقمت خلال الأشهر الماضية مع فشل أطرافها والمسؤولين عنها في استنباط الحل المناسب لها ولو على مراحل للخروج منها بأخف الأضرار

وبالعودة إلى «حرب الشوارع» المندلعة هذه الأيام بضراوة، ورغم تفاوت الأحجام الذي أصبح جليّا، فإن المؤكد أنه يصعب الإقرار أو على الأقل توقّع وجود غالب في هذه الحرب العبثية في تقديرنا الآن، فلا رئيس الجمهورية قادر على إثبات شرعية الشارع المطلقة لصالحه بعد أن تفرّق أنصاره في مجموعات حزبية وتفسيرية وتنسيقية متدافعة حول أصل تجاري لم يمنحه إياهم صاحبه للتحّدث باسمه، ولا خصوم الرئيس ومعارضوه الأكثر عددا هذا الأحد بقيادة النهضة بمقدورهم قلب المعادلات فهم خارج المؤسسات وخارج ثقة الأجهزة التي تدين بالولاء للدولة بطبيعة الحال ممثلة في رئيسها في الوقت الحاضر

وحتى بالنسبة إلى الدستوري الحرّ، فهو قد يحقق ثلثا معطّلا في أي استحقاق انتخابي قادم لكن العائلة الدستورية ما تزال تحت وقع صدمة 2011 وهي ليست موحدة والتاريخ لا يعود إلى الوراء

وبالنسبة لليسار الراديكالي وفي مقدمته حزب العمال وكذلك هياكل وقطاعات عمالية في المنظمات الاجتماعية الغاضبة من سوء الأوضاع المعيشية، يعوزها العمق الجماهيري وهي تصطدم بالمجتمع المحافظ والمحبط الذي يستوعب إلى حدود اللحظة سياسة التقشف غير المعلنة للدولة والزيادات في سعر المحروقات والكهرباء والغاز وغيرها من المواد الاستهلاكية علاوة على معضلة رفع الدعم ورفع اليد عن المؤسسات العمومية والترويج مقابل ذلك لـ / الإصلاحات

ما العمل في ظل هذه المعطيات وماذا ينتظر البلاد والعباد؟

هناك سيناريو ضعيف لكنه وارد وهو قلب المعادلات رأسا على عقب في حال تواصل تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص ساعتها سيلوذ التونسيون إلى العصيان والتمرد كما جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكن الخطير هو افتقار المشهد التونسي اليوم لقوة اجتماعية أو سياسية قادرة على تأطير الحراك الاجتماعي وهو ما يفتح باب سرقة الثورة والثورة المضادة كما حصل في 2011 وبروز أثرياء الثورة وسرّاقها

أما السيناريو الثاني الأقرب للأسف إلى الواقع في تقديرنا، والذي تتقاطع فيه مصالح الداخل والخارج فهو مضي الرئيس قدما في تنفيذ خارطة طريقه كما اتفق، المهم ضمان الحد الأدنى من الاستقرار والحد الأقصى من مصالح الأشقاء والأصدقاء بقطع النظر عن العزوف وعن مضمون ما سيتم عرضه للاستفتاء وبعد ذلك الانتخاب في ظل ضعف الثقافة الديمقراطية وتوظيف وسائل الدولة دون أن نقلل من اعتبارية ساكن قرطاج وارتفاع شعبيته وشعبويته وتصويت الناخبين لشخصه بقطع النظر عن المضمون السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهو ما سيفتح أبواب البلاد على إعادة إنتاج الأزمة بما أن المقدمات الخاطئة والقاصرة لا تؤدي بالضرورة إلا إلى نتائج أقل ما يقال فيها أنها كارثية

ولعل من أخطر المقدمات التي أقدم عليها ساكن قرطاج ولم تحقّق أهدافها المرسومة بعد ما دُبّر للاستشارة الافتراضية ثم للقضاء وبعد ذلك مجلس نواب الشعب ليأتي الدور على هيئة الانتخابات وسط حديث ممجوج عن حوار وطني ولجنة برأسين أو هيئتين ودستور ونصوص قانونية أخرى لا يسمح الوقت والعقل بانجازها واستيعابها وتفعيلها فما بالك بالعمل بها في زمن قياسي واقعي ينسجم مع إرادة الشعب ويحقق أهدافه في الحرية والكرامة في «منامة» دولة القانون

بقلم: مراد علالة