لا تعتدوا على الـبنات باسم الدين

انتشرت على مواقع التّواصل الاجتماعي إعلانات تجاريّة لبيع ملابس تسمّى « شرعيّة » لفتيات صغيرات لا يتجاوز سنّهن 7 سنوات وأقلّ مصحوبة بصور لرضيعات وصغيرات محجّبات، وإلى جانب هذه الإعلانات تروّج صفحات عديدة صورا لقاصرات بالحجاب ويمكن للمتأمّل في أحوال المجتمع التونسي أن يرى بأمّ عينيه في المدارس الابتدائية وحتى في بعض المحاضن ورياض الأطفال فتيات صغيرات يغطين شعورهنّ ويلبسن ملابس أثقل من حملهنّ وهن اللواتي في سنهنّ بحاجة أولا إلى أشعة الشمس للنمو وثانيا لأن يكن مثل رفيقاتهن لا مختلفات عنهن أضف إلى كون الحجاب يمثل اعتداء صريحا على حقوق الطفل وعلى المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس والتزمت بها. فالبنات في سن الطفولة بحاجة إلى المرح والحبور وخلو الذّهن من التمييزات على أساس النوع والعقيدة والأيديولوجية وما الحجاب سوى وصم لهذه البنت التي تجبر على حمل دلالات سياسية وجنسية وأخلاقية لم تخترها بإرادتها بل هي اختيار الوالدين أو أحدهما، وهو ما يتنافى مع أبسط حقوق الطفل

إن صمت المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في حق هؤلاء الفتيات القاصرات عجيب فأولى بنا سن قانون واضح يمنع إجبار البنت الصغيرة على وضع الحجاب من منطلق حقوقي وإنساني وصحي ونفسيّ علمي. وأطباء الجلد يعرفون حق المعرفة ارتفاع نسبة النساء اللواتي يعانين من تساقط الشعر بسبب عدم تعرضه للشمس فما بالك بهذه الجرائم التي تُرتكب في حق طفولة معذبة ومجبرة على ارتداء ما لا طاقة لها به من دلالات سياسية وأخلاقية وجنسية. إنهن غير قادرات على التعبير عن مشاعرهن تجاه هذه الأزياء التي تقدم لهن أحيانا مغلفة بقالب تشجيع وتصفيق كما لو كانت كحلوى مسمومة فيقبلنها لكنهن يعلقن بها

فلنتفق أنه ليس من حق الوالدين أن يجبرا طفلة لم تبلغ سن الرشد القانونية أن تلبس ملابس تحت مسمى « الفريضة الدينية » فحتى بمنظور الدين نفسه لم تبلغ بعد ولم تُكلّف بعدُ فلماذا تغطي شعرها وجسدها؟ سيقولون إنهم يعوّدون البنت منذ نعومة أظفارها على الاحتشام حتى لا يصبح ذلك أمرا صعبا عليها عند الكبر، ويرون أن الحجاب علامة للعفة والتدين وينسون أن العفّة والأخلاق ليسا باللباس بل بالعقل الذي يستبطن ما فيه خير الجسد والروح وشرّهما، والبنت التي تدرّب على الامتثال بإجبارها على الحجاب تشوه تركيبتها النفسية التي خلقها عليها ربها أبية النفس عزيزة الروح كريمة، فتُكسر بالطاعة والعبودية لأنظمة رمزية لا ترى فيها سوى عورة يجب إخفاؤها. فلم على البنات سيئات الحظ أن يعشن تجارب الوصم والتمييز والعنصرية والخجل بأجسادهن الصغيرة والشّعور بأنّهن عورات يجب اخفاؤها في حين تعيش صويحباتها طفولة خالية من الشعور بالإثم والذنب؟ ومتى نفهم أن الحجاب في حد ذاته ليس سوى عادة من العادات لا أكثر، وأنه ذكر في النص القرآني في سياق مخصوص يمكن العودة إليه في مقالات أخرى، وللراشدات العاقلات المؤهلات بالقانون أن يخترن ما يحلو لهن من اللباس ولكن من الخطر على المجتمع وعلى الطفولة أن تُستعبد البنات الصّغيرات في سياج الحجاب الذي لم يأمر به القرآن سوى زوجات النبي في سياق حمايتهن من القيل والقال ولحماية النبي الكريم وحماية عرضه. والنّساء حرات أن يتشبهن بنساء النبي ولكن القرآن لا خاطب به عامّة النساء ولا ذكر ثوابا للمحجبات ولا ذكر عقوبات بمعنى انه ليس فرضا لانه ما من فرض إلا وقد خصّص له النص القرآني ثوابا وعقابا وأما الحجاب فلا نعلم له ثوابا ولا عقابا، ثم إن الآية التي ذكرته نزلت في المدينة بعد قرابة13 سنة من نزول الوحي في سياق اقتضاه النزول فليس الحجاب أولوية في الإسلام ولا بالأهمية البالغة حتى يصبح رمزا للمراة المسلمة، ولا هو مانع من الزلات بل لعله يخفي الحقيقة البشرية تحت قناع لا يدلّ بالضرورة عن التقوى بل يمكن لكلّ امرأة مسلمة أن تفتخر بإسلامها دون أن تُجبر على ارتدائه و التي تود وضعه الحرية على أن تكون حرّة نفسها والطفلة ليست حرّة نفسها لانها تحت وصاية الأولياء وفي عهدة الدولة حمايتها. وأخيرا فإن ما يهمّنا أولا هو حماية المجتمع وحماية أطفاله من الاعتداء عليهم باسم الدين والدين براء من دعوات الصحوة وتحويل الأطفال إلى رسائل سياسية للاستدلال على انتشار التيارات السياسية المتحدثة باسم الدين والمحتكرة له. فكفوا عن الاعتداء عن الأطفال باسم الدين. أبعدوا توظيفكم السياسي عن أجساد الأطفال وأرواحهم

بقلم زينب التوجاني