كلنا كان يتعجب ويسخر من عبارة قيس سعيد « ستأتي اللحظة » ولكنها « أتت » من حيث لم يتوقعها أحد تقريبا

يبدو أن حالة الذهول والتوجس والفرح المشوب بالريبة تسود الوجدان التونسي العام.. فلا يكاد التونسيون يصدقون أنهم دخلوا اليوم الخامس وبلادهم تحررت من كابوس جثم على الصدور والأنفاس عشرا عجافا وكان يتفنن في التمكين والمناورة والالتفاف واحباط العزائم واستغلال الوهن والانتهازية السياسية والظرف الدولي حتى استقر في الاذهان أن حكم الاخوان قدر لا فكاك منه إلا بحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس وأنهم استحوذوا على كل مرافق الدولة وأن القوى الكبرى تدعمهم وربما ترسل الأساطيل لحمايتهم

خمسة أيام كاملة لا يستطيع فيها فرع التنظيم الاخواني التونسي تحريك الشارع ولا بث الفوضى ولا استقطاب القوى المدنية والأحزاب الرديفة وبقايا الأحلاف المهترئة القديمة البائسة بل لا يستطيع قيادي اخواني واحد مغادرة البلاد.. إنها خطة محكمة وعاجلة ومباغتة ولكنها منتظرة منذ زمن بعيد ولكن أحدا لم يتوقع أن تكون بهذه المرونة والسلاسة والهدوء والاتقان 

إن الذهول الذي أشرنا إليه في أول كلامنا جعل أغلبية الشعب يريد التعجيل بعملية الاجتثاث والمحاسبة والردع وفتح الملفات وهذا حديث انفعالي عاطفي والسياسة عقلانية باردة ولا تدار الدول بالأهواء والقوة الغضبية وما أراه هو أن خطة محكمة تنفذ بصبر وبراعة وذكاء وحذر وتسحب البساط شيئا فشيئا وكلما قويت أجهزة الدولة وتعافت انهارت الدولة الموازية التي حاولت أن تمتص الدولة الفعلية وتضعفها وتمنعها من الحياة الطبيعية

أمامنا ثلاثون يوما من إعادة الحياة الطبيعية للدولة لتكتسب مناعتها وتحمي نفسها بنفسها وتقتل الفيروسات الضارة تلقائيا وهي مدة انعاش مهمة لاسترداد أهم مراكز النفوذ والسيادة وتطهير الوزارات الكبرى والادارات المركزية وتحويل الملفات العاجلة إلى القضاء الذي يجب تحريره من العبث والدمار

لانشك لحظة أن ما جرى وقع ترتيبه طيلة أشهر وكلنا كان يتعجب ويسخر من عبارة قيس سعيد « ستأتي اللحظة » ولكنها « أتت » من حيث لم يتوقعها أحد تقريبا على تلك الطريقة وبهذا الاجراء وفي هذا التوقيت

إن الزمن مهم جدا فكل يوم يمضي هو تقدم نحو الخلاص النهائي من الطعمة الاخوانية التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت البلاد والعباد وزرعت الشقاق والنفاق ورهنت القرار الوطني للأجانب وعطلت دواليب الدولة والتنمية وقايضت وباعت ونهبت وقتلت مدعية أنها رأس حربة الانتقال الديمقراطي ويا للمفارقة العابثة الخبيثة الوقحة

واليوم لا صوت يعلو فوق صوت الدولة المستعادة وكل من يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مفلس وعميل وتافه فالاخوان أنفسهم يفاوضون الآن لتأمين ثرواتهم وعدم محاكمتهم لاحقا بل وفتح طريق المنفى المخملي الآمن وكالعادة لن يحملوا معهم إلا عوائلهم وأموالهم اما بقية الجوقة فهي ليست إلا وقودا للمفاوضة والمساومة

عاشت تونس حرة أبية كاسرة للجبابرة قاهرة الخونة

بلقاسم بن جابر