كأس شاي أحمر كان يقرر مصير وزير الداخلية

مساء الإكليل والسعتر

يوم الثلاثاء الفارط 5 جانفي 2021 كنت عائدا ظهرا من مدينة القيروان وقد تناولت « كسكروتا » سدّ رمقي وعوّض المحبّذ من مرَقي. لمّا وصلت مدينة المتبسطة، كان باعة على الطريق يبيعون خبز « الطابونة والملاوي » وغيرها من المبيعات الأصيلة، اشتهيت منها كأس شاي أحمر يعينني على وحدة الطريق، خفّفت من السرعة وعيناي على الذي يجلب نظري، وقفت عند بائعة على طاولتها مزهريّات نعناع وإكليل وسعتر، و »برّاد » أحرقته النار على « كانون » يناديني شررُه، أخذت كأسي المغسول، واتجهت نحوها مسلّما وسائلا عن أحوال شايها، ما إن بدأت بالشكر حتى رجوتها ملء كأسي وإن لم أصدّق مديحها، إذ : كلّ بائعة بشايها معجبة

ما إن حرّكت السيارة تذوّقت شايي، « إيه النعيم يا ألْبي »، رشفة ولا في الخيال، ساخنة لذيذة بطعم الزعتر والإكليل، أردفت بثانية والسيارة تدعوني إلى تغيير السرعة، يا إلهي ! تعدّل مزاجي وراق، وتورّدت الدنيا، سمعت رنين هاتفي المزعج وقد رأيته سمفونيّة جميلة: « مرحبا منير، تفضّل »، ما إن بدأ في مقدّمات للاعتذار منّي عمّا بدر منه أمس حتّى قاطعته في لطف: « السماح، ما فيه حتى مشكل، يا سيدي أنا نطلب منك السماح »، بهت في أمره وقد بلغه أمسي غضبي الشديد منه. عنّ لي أن أطلب صديقا منقطعة صداقتنا منذ مدّة أسأل عن حاله، يحدّثني مندهشا حتّى أنّه تجرّأ على القول: « توفيق شارب حاجة حمراء؟ ! » ، أجبت : « صحيح كاس تاي أحمر »، شرع في الضحك يظنّني أداعبه

كان كأس الشاي يوصيني بالتريّث واحترام ضوابط السرعة، أطبّق سعيدا توصياته، ويوصيني بالتعقّل والتريّث ما دمت حيّا، شعرت في كلّ رشفة أنّني أزداد حكمة، وفي كلّ تلمّظ أنّني صرت الرصانة نفسها، صار هذا الكأس ضميرا يرشدني، وعقلا يوجّهني، يا لَكأس أرتشفها

في الرشفة الأخيرة، كنت متأكّدا أنّ رئيس الحكومة لو شرب كأس شاي أحمر ككأسي لبقي وزير الداخليّة في منصبه

توفيق العلوي