قيس سعيّد بين الوطنيّة و تصفية الحسابات ؟؟

لم يكن رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، منذ تولّى مقاليد الحكم، في وضع سياسيّ مريح. و قد كان حزب النهضة الإخواني خصما لدودا له يضغط على أنفاسه بنظام برلمانيّ لا يبقي له من السلطة إلاّ الفتات. و حتّى الفتات المنحصر في تعيين رئيس للحكومة مثل الفخفاخ أو المشيشي أو ختم القوانين أو أداء اليمين لم يكن له فيه متنفَّس يُرضي ما في نفسه من الجموح و ما في أحلامه من الطموح. فكان وضعه المهزوم عاملا من العوامل المفسّرة للاستنصار بالقانون حينا و بالغضب الشعبي أحيانا في طبخة لا أرى فائدة من الخوض في حقيقتها

و لكن لا ننسى أنّ قيس سعيّد وهو يثأر لنفسه من خصومه السياسيين، يثأر، في الوقت نفسه، للشعب التونسيّ باعتبار أنّ الخصم واحد مشترك و حينئذ فقد التقت مصلحة قيس سعيّد الشخصيّة بمصلحة الشعب العموميّة و لا يمكن، منطقيّا، إلاّ أن نكون له من الشاكرين. فإذا تجاوزنا هذه العتبة، انقسم الناس قسمين: بين شخص متخوّف من رئيس منتقم لنفسه متفرّد بالسلطة و متدكتر على الجميع في نظام رئاسي كنظام ابن عليّ مثلا، و بين شخص مطمئنّ إلى رئيس محرّر للعباد من غطرسة أحزاب مستأثرة بدواليب الحكم و القرار

و أيّا كان الموقف فنحن، في هذه اللحظة، نسير في طريق رئيسيّة واحدة مشتركة مباركة هي تجريد العابثين من السلطة و الشروع في فتح ملفّات الفساد. و لا يمكن مجابهة هذا الوضع المتعفّن دون الاستئثار، وقتيّا، بالسلطة ما دام الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لا يجدي نفعا. و يبقى، للتثبّت من نوايا رئيس الدّولة، أن يتابع الناس القرارات الرئيسيّة في مستقبل الأيّام فيما إذا كان تسليم الحكم فيها للشعب أو للفرد، و فيما إذا كان في خدمة الناس أو خدمة الشخص

و لا أخفي عليكم أنّ أخشى ما أخشاه اليوم على بلادي هو تسليم الحكم للشعب، ذلك الشعب الذي بكاه أبو القاسم الشابي منذ مائة عام في سينيّته الشهيرة : أيّها الشعب ليتني كنت حطّابا… و ظلّت دار لقمان أو كادت تظلّ على حالها، إلى ما شاء ربّك. و خوفي من الشعب لا يعني طبعا حبّا في الدكتاتورية

الدكتور الهادي جطلاوي