انتشى كثير من التونسيين مساء الخميس، ليلة عيد الجلاء في بلادنا عندما تناغم موقفهم مع موقف رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أعلن سحب جواز السفر الديبلوماسي من رئيس الجمهورية السابق المؤقت المنصف المرزوقي « لأنه اليوم في عداد أعداء تونس » حسب قوله، وطلب من وزيرة العدل فتح تحقيق قضائي في ما أتاه الرجل لـ »أنه لا مجال للتآمر على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي »، وبشّرنا بأنه سيتم قريبا إصدار الأمر الخاص بتنظيم الحوار مع الشباب والشعب، كما انتقد ساكن قرطاج وضع تونس في جدول أعمال برلمانات أجنبية في إشارة واضحة إلى الكونغرس الأمريكي بما انه « استقبل » بعد ذلك سفير الولايات المتحدة وتحادث معه حول نفس الموضوع
وتكتسي أهمية هذه المواقف الرئاسية المعلنة على الملأ أمام التاريخ وأمام الله وأمام الشعب في كونها تأتي أولا في سياق ما بعد 25 جويلية 2021 الذي يعتبره البعض حركة تصحيحية وبراه البعض الآخر انقلابا على الدستور، وثانيا أنها تُعلن في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، وثالثا أنها المرة الأولى ايضا التي يشرف فيها رئيس الجمهورية قيس سعيد على اجتماع الحكومة منذ ولوجه إلى قصر قرطاج ذات أربعاء 23 أكتوبر 2019 بعد أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان « القديم » أي برلمان 2014 – 2019 بما أن انتخاباتنا الرئاسية سبقت الاستحقاق التشريعي وبالتالي لم تكن ثمة « علاقة مباشرة » بين الرئيس المنتخب وبرلمان 2019 – 2024 المعلقة أعماله اليوم
وقد تعهد قيس سعيد يومها في أول كلمة له بعد أدائه القسم بحماية كل الحريات بوصفها أبرز مكاسب تونس بعد الثورة وشدد حينها على مكافحة الفساد
ليس ذلك فحسب، بشّرنا قبل سنتين ونيف بأن التونسيين : ينتقلون اليوم من ضفة الإحباط لضفة العمل والبناء
:إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقطع النظر عن الموقف وعن توصيف ما حصل يوم 25 جويلية المنقضي، هو لماذا فرّط رئيس الجمهورية في ما منحه الفضل 93 من الدستور الذي ينص في نقطته الثالثة بعد الإقرار بأن « رئيس الحكومة هو رئيس مجلس الوزراء ». و »ينعقد مجلس الوزراء بدعوة من رئيس الحكومة الذي يضبط جدول أعماله »، نقرأ بوضوح : « يرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوبا في مجالات الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وله أن يحضر ما عداها من مجالس وزراء. وعند حضوره يرأس المجلس » وهو ما لم يحدث على الاطلاق
قد يكون المناخ غير ملائم في ما مضى، وقد تكون موازين القوى في غير رؤية الرئيس أنذاك، لكنا اليوم بعد إزاحة « العراقيل » وإقرار العمل بالتدابير الاستثنائية صارت الطريق سالكة كما يقال وأصبح التطلع لبصمة الرئيس مشروعا في ضبط السياسة العامة للدولة التي تتولى الحكومة تنفيذها
وبالرجوع إلى جدول أعمال اجتماع أول أمس « التاريخي » يمكن القول أن الرئيس قيس سعيد يواجه كثيرا من التحديات ويتطلع الشعب إلى كثير من الانتظارات من لدنه، وهو فوق كل ذلك أمام « فخّ » استمرار الدولة إن جاز القول
وبالرجوع إلى الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية والصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة التي أعادت نسخ ما جاء في الأولى، نلاحظ أن المعلومات شحيحة حيث نجد صياغة لما سمعناه في الكلمة المصورة للرئيس في افتتاح أعمال المجلس حيث « أكد على استمرارية عمل مؤسسات الدولة بصفة طبيعية، داعيا جميع المسؤولين إلى مواصلة بذل الجهد لرفع كل التحديات ووضع حدّ لجميع التجاوزات تلبية لإرادة الشعب التونسي وخدمة لمصالحه
كما شدّد، أيضا، على أن تونس دولة حرة مستقلة لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية وترفض أن توضع سيادتها على طاولة أي مفاوضات. وذكّر بأن كرامة الشعب التونسي صاحب السيادة فوق كل اعتبار، داعيا، في هذا السياق، إلى فتح تحقيق ضدّ كل محاولات التآمر على الأمن الداخلي والخارجي لتونس وسحب الامتيازات لكل من يستجدي الخارج لضرب مصالحها
وجدّد رئيس الدولة تأكيد حرصه على قيم الديمقراطية والحرية وتمكين الشعب من التعبير الحرّ عن إرادته وبناء تاريخ جديد لتونس يقوم على الديمقراطية الحقيقية، مشيرا إلى أنه سيقع تنظيم حوار في القريب العاجل ليس كسابقيه من الحوارات
ويظل الأهم في تقديرنا جدول أعمال الاجتماع في حد ذاته فقد أشار البلاغ إلى التداول في النقاط التالية: – مشروع مرسوم يتعلّق بقانون المالية التعديلي لسنة 2021، – مشروع مرسوم يتعلق بجواز التلقيح الخاص بفيروس كوفيد-19،- مشروع أمر رئاسي يتعلق بإتمام الأمر الحكومي عدد 418 لسنة 2021 المؤرخ في 8 جوان 2021 المتعلق بضبط شروط إصدار وتسديد القرض الرقاعي الوطني لسنة 2021، واستمع مجلس الوزراء إلى بيانات حول الوضع الصحي العام، ووضعية التزويد والأسعار والاستعدادات للموسم الفلاحي
وهنا يضيف البلاغ أن رئيس الدولة : أسدى تعليماته بملاحقة المحتكرين، ودعا وزيرة التجارة وتنمية الصادرات إلى تسعير عدد من المواد وفق ما يسمح بذلك القانون
هنا مربط الفرس، ستكشف لنا الأيام القادمة ومن خلال الاطلاع على مشروع المرسوم المتعلّق بقانون المالية التعديلي لسنة 2021 الرؤية الاقتصادية الإصلاحية الإنقاذية للرئيس قيس سعيد ومدى ملاءمتها أو قطعها أو استمرارها مع التوجهات السابقة لمن اضطلعوا بأعباء الحكم خلال العقد الأخير بشكل خاص والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه وهذه وفق نص الأمر 117 من صلاحيات ساكن قرطاج
كذلك الأمر بالنسبة إلى القروض، كيف سيتعامل رئيس الجمهورية مع ملف أرهقنا وكبّلنا وأساء إلى صورتنا في المحافل الدولية وجعلنا اليوم أمام خيارات قليلة كي لا نقول منعدمة لفك اسر البلاد من الدائنين
إضافة إلى كل ما تقدم، جميل تنسيب وحتى التقليل من مسالة التصنيفات السيادية وأجمل من ذلك التمسك بالسيادة وباستقلال القرار الوطني ووضع الدول الشقيقة والصديقة أمام أمر واقع، إما علاقات ندية ومتكافئة أو نحن في حل من التبعية، والتصحيح يقتضي القطع مع كل الاملاءات والمحاور وهذه في تقديرنا أقوم المسالك في تجسيد إرادة الشعب والحفاظ عليها
مراد علالة